المنشور

ليس قطاع الصيد‮ ‬ البحري‮ ‬وحده‮!‬

في‮ ‬عددها ليوم الأحد‮ ‬15‮ ‬نوفمبر‮ ‬2009‮ ‬نسبت جريدة‮ ‘‬الوطن‮’ ‬في‮ ‬تحقيق لها حول قطاع الصيد البحري‮ ‬في‮ ‬البحرين،‮ ‬نسبت إلى إحصائيات رسمية‮ (‬لم تذكرها‮) ‬ما‮ ‬يفيد بارتفاع عدد العمالة الأجنبية في‮ ‬هذا المجال من النشاط الاقتصادي‮ ‬الحيوي،‮ ‬حيث أصبحت تسيطر على‮ ‬76٪‮ ‬من القطاع تاركةً‮ ‬النسبة المتبقية‮ (‬24٪‮) ‬للصيادين البحرينيين،‮ ‬إذ‮ ‬يبلغ‮ ‬إجمالي‮ ‬العاملين في‮ ‬هذا القطاع‮ ‬5071‮ ‬عاملاً‮ ‬منهم‮ ‬1197‮ ‬بحرينياً‮ ‬فيما‮ ‬يبلغ‮ ‬عدد الأجانب‮ ‬3874‮ ‬صياداً‮.‬ طبعاً‮ ‬التحقيق الذي‮ ‬أُفردت له صفحة كاملة‮ ‬يعكس حالة من بدء استشعار الخطر الذي‮ ‬صارت تشكله هذه العمالة الأجنبية على مستقبل الثروة السمكية في‮ ‬البحرين وعلى فرص العمل المهني‮ ‬التي‮ ‬يوفرها هذا القطاع لشريحة واسعة من أبناء البحرين‮.‬ جدير بالذكر أن أسعار أنواع الأسماك التقليدية التي‮ ‬يستهلكها البحرينيون مثل الهامور والشعري‮ ‬والصافي‮ ‬قد سجلت ارتفاعاً‮ ‬كبيراً‮ ‬في‮ ‬الأشهر الأخيرة نتيجة لتراجع حصيلة الصيد البحري‮ ‬بصورة كبيرة بسبب عمليات الصيد الجائر التي‮ ‬تستخدم فيها العمالة الأجنبية شباك وحشية‮ (‬تُدعى الشباك الإسرائيلية‮) ‬تجرف وتدمر شبكة البيوت والأنفاق السمكية الطبيعية التي‮ ‬تشكلت عبر السنين،‮ ‬وعمليات الردم البحري‮ ‬واسعة النطاق التي‮ ‬طمرت مساحات واسعة من السواحل ووصلت إلى عمق بضع عشرات الكيلومترات وذلك لإقامة مشاريع عمرانية جديدة‮. ‬فضلاً‮ ‬عن ازدياد الطلب على منتجات الصيد البحري‮ ‬قبالة تراجع المعروض جراء التضخم السكاني،‮ ‬وكذلك التضخم النقدي‮ ‬الناجم عن أزمة الغذاء والأزمة المالية العالميتين اللتين حدثتا في‮ ‬العام الماضي‮.‬ إنما ليس قطاع الصيد البحري‮ ‬وحده هو الذي‮ ‬هُمِّشت فيه إلى الحد الأدنى قوة العمل البحرينية نتيجة لاستحواذ وسيطرة العمالة الأجنبية‮. ‬فقبل هذا القطاع كانت أنشطة قطاع التجارة الداخلية تتساقط الواحد منها تلو الآخر في‮ ‬أيدي‮ ‬العمالة الآسيوية منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي‮. ‬فلقد سقط قطاع الذهب والمشغولات الذهبية وقطاع بيع المنسوجات والألبسة الجاهزة،‮ ‬وقطاع البقالات الصغيرة المنتشرة بكثرة في‮ ‬الأحياء ثم تلتها السوبر ماركتات الشاملة،‮ ‬ثم سوق بيع اللحوم الحمراء،‮ ‬ثم سوق بيع الفواكه ليتبعه سوق الخضار،‮ ‬ومن بعد سوق السمك،‮ ‬لتتسع الدائرة وتشمل قطاع الإنشاء‮ (‬المقاولات من الباطن خصوصاً‮) ‬وقطاع ورش الألمنيوم‮ ‬‭(‬Aluminum fabrication workshops‭)‬‮ ‬الخاصة بالتجهيزات الإنشائية‮. ‬وهنالك قطاعات أخرى مرشحة لنفس المصير من بينها قطاع الفندقة الثانوي‮.‬ طبعاً‮ ‬هذا لم‮ ‬يحصل بين ليلة وضحاها ولم‮ ‬يحدث من فراغ‮ ‬وإنما هو حصيلة متراكمة منذ ثمانينيات القرن الماضي،‮ ‬وإن تطورات وتحولات عميقة في‮ ‬البيئة الاقتصادية المحلية هي‮ ‬التي‮ ‬أفرزت بصورة محتمة هذه الظاهرة‮.‬ ولأنه لم‮ ‬يتم التعامل معها بالجدية المطلوبة فقد كان من الطبيعي‮ ‬أن تتجاوز حدودها وتتبدى مؤخراً‮ ‬في‮ ‬صورة الباعة المتجولين الآسيويين الذين باتوا‮ ‬ينتشرون كالفطر على الطرقات في‮ ‬الشوارع العامة وأزقة الأحياء السكنية في‮ ‬مناطق البلاد المختلفة‮. ‬ولا‮ ‬يقتصر الأمر على بيع الفواكه والخضروات وإنما‮ ‬يشمل الأقمشة والملابس والأقراص المدمجة والإكسسوارات والحقائب والساعات‮.‬ هنا علينا أن نتذكر معدل النمو السنوي‮ ‬للعمالة الأجنبية والذي‮ ‬يعتبر معيناً‮ ‬لا‮ ‬ينضب لفائض العمالة الأجنبية الذي‮ ‬يمظهر أزمة السوق في‮ ‬أشكال مختلفة من بينها ما‮ ‬يشكو منه الصيادون وتزايد أعداد الباعة المتجولين ونحوها في‮ ‬الربع الأخير من العام الماضي‮ ‬فقط تمت العمالة الأجنبية بنسبة‮ ‬3‭,‬17٪‮ ‬مقارنة بالربع الثالث من نفس العام من‮ ‬417389‮ ‬إلى‮ ‬‭.‬438211‮ ‬بينما لم تسجل العمالة البحرينية خلال نفس الفترة سوى نمو بنسبة‮ ‬7‭,‬7٪‮ ‬فقط،‮ ‬من‮ ‬134718‮ ‬عاملاً‮ ‬إلى‮ ‬140096‮ ‬عاملاً‮ ‬ليصبح إجمالي‮ ‬قوة العمل في‮ ‬نهاية العام الماضي‮ ‬578307‮ ‬عمال‮.‬ ولا ننس التدفق المنهمر للعمالة الأجنبية‮ ‬‭(‬Labour flow‭)‬‮ ‬الذي‮ ‬يبلغ‮ ‬معدله في‮ ‬المتوسط حوالي‮ ‬500‮ ‬فيزا‮ ‬يومياً‮ (‬وفقاً‮ ‬لتصريح وحيد البلوشي‮ ‬مدير الخدمات الإلكترونية والعلاقات العامة في‮ ‬هيئة تنظيم سوق العمل لجريدة جلف ديلي‮ ‬نيوز‮ ‬‭(‬GDN‭)‬‮ ‬في‮ ‬11‮ ‬أكتوبر‮ ‬2008‮ ‬وذلك رداً‮ ‬على اتهامات أصحاب الأعمال للهيئة ببطء عملية إصدار تراخيص العمل‮).‬ الآن أصحاب الأعمال وأرباب قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة منهم على نحو خاص‮ ‬يتذمرون من هذا الوضع بعد أن استشعروا وطأة استفحال نفوذ العمالة الأجنبية وتأثيراتها السلبية على أعمالهم،‮ ‬مع أنهم هم المسؤولون عن هذه الظاهرة،‮ ‬فأصحاب البقالات وأصحاب محلات بيع اللحوم الحمراء وأصحاب محلات أسواق الفواكه والخضروات وكافة خطوط الإنتاج والخدمات التي‮ ‬أضحت في‮ ‬أيدي‮ ‬العمالة الآسيوية،‮ ‬هم الذين تنازلوا عن محلاتهم لصالح أصحاب الرساميل الصغيرة الآسيويين لقاء الحصول على ريع شهري‮ ‬دون الاضطرار للعمل وبذل الجهد في‮ ‬إدارة محلاتهم‮.‬ ولذلك فإن مطالباتهم بترحيل العمالة السائبة،‮ ‬والحد من ظاهرة تأجير السجلات،‮ ‬والسيطرة على مشكلة هروب العمالة،‮ ‬لا تعد وحدها مقاربة كافية لحل المشكلة،‮ ‬ما لم‮ ‬يقترن كل هذا بتخليهم عن الذهنية الريعية التي‮ ‬تلبستهم واستأنسوها‮.‬ الأمر‮ ‬يتعلق بتغيير ثقافة العمل السائدة‮.‬ وللحديث صلة.
 
صحيفة الوطن
27 ديسمبر 2009