استكمالاً لحديث الأمس نقول أن أحمد الذوادي لم يتعرض للايذاء الشخصي فقط، وانما عرّض به البعض لأنه ببصيرته السياسية الصحيحة ارتأى أن يشارك المنبر التقدمي في انتخابات 2002، وهو خيار سار عليه غالبية المقاطعين في الانتخابات التالية، لأن التجربة سرعان ما أظهرت صواب ما كان الذوادي، على رأس تنظيمه، قد رآه. وأحمد الذوادي لم يسلم من الأذى حتى بعد مماته، وممن ؟ لا من خصومه في الفكر أو في السياسة، وإنما من رفاق له، الذين لا نفهم سر ضغينتهم لرجلٍ كبير المكانة والمقام في تاريخ هذا الوطن جدير بأن يحظى بما هو أهل له من تقدير. وأحمد الذوادي ليس ملاكاً ولا نبياً، انه إنسان شريف، مخلص، وهب حياته لوطنه وشعبه، وفي العمل فان الإنسان يخطئ ويصيب، ولم نقل يوماً ان تاريخنا الوطني مليء بالأمجاد فقط، ففيه الأخطاء والعثرات التي تتطلب قراءة منصفة هادئة ورزينة تأخذ ظروف كل مرحلة بعين الاعتبار، لا أن تسقط مفاهيم الحاضر على ظروف معقدة وصعبة ناضلت الحركة الوطنية والديمقراطية خلالها وهي تعاني من قلة الكادر وشحة الإمكانيات. للأسف الشديد فان هذا النوع من المعالجات يصب في ما نود أن ندعوه تسفيه تاريخ النضال الوطني في البحرين، حين يجري استلال صفحات منفردة من هذا التاريخ وتضخيم ما فيها من سلبيات، وتوجيه دائرة الضوء الكبيرة بشكل متعسف ومغرض وأحيانأ حاقد أيضا عليهاً، لاختزال تاريخ التنظيمات الوطنية بكل تعقيداته وتضحياته في نقاط صغيرة. أليس معيباً بعد هذا التاريخ المفعم بالجراح والتضحيات والآلام والدموع أن يجري محورة تاريخ تنظيماتنا الوطنية ودورها الكبير في تاريخ الوطن، في مشاحنات أو حساسيات نشأت بين المناضلين المعتقلين من أمزجة وميول شخصية ونفسية مختلفة الذين كدسهم السجان في زنزانة واحدة ولمدد طويلة، أو بين المناضلين الذين أجبرتهم ظروف المنفى القاسية على أن يتكدسوا في شقة صغيرة واحدة ولعدة سنوات؟ ماذا سنترك، اذاً، لخصوم الحركة الوطنية لكي يقوموا به في التعريض بتاريخ حركتنا الوطنية وتشويهه، لا بل ومحو هذا التاريخ وشطبه من ذاكرة الوطن والأجيال الجديدة، خاصة وان هذا التاريخ معرض للمصادرة والشطب، إذا كانت مثل هذه المطالعات النرجسية تأتي من داخل الصف الوطني نفسه بدل أن ينشغل أفراده بتقديم قراءة موضوعية هادئة، تشتغل على التحليل الواقعي للملابسات التي ناضلت فيها الحركة الوطنية في الماضي في ظروف المجتمع البحريني يومذاك، وبما يتناسب مع مستوى التطور الفعلي للمعارف والادراكات والقدرات في تلك الظروف، لا في ظروف اليوم، بهدف الاستفادة من هذا التاريخ ودروسه في الحاضر. نكرر القول بأن تاريخ تنظيماتنا الوطنية ليس كله أمجاد. فيه نقاط ضعف وأخطاء، لكن شتان بين تحليل هذه الأخطاء وتقصي أسبابها برزانة ورصانة، وبين التعريض الرخيص بشخوص تلك المرحلة، خاصة حين يمس هذا التعريض رمزاً وطنياً مثل أحمد الذوادي، الذي لم يكن قديساً ولم يرد لنفسه أن يكون كذلك، ولا أحد منا يريد أن يجعل منه ذلك، ولكن بصمته الخالدة في تاريخنا لا يمكن أن تمحى، وسيكون واجباً على رفاق أحمد في السجون والمنافي والنضال ألا يسكتوا عما تعرضت له ذكراه من ايذاء.
صحيفة الايام
22 ديسمبر 2009