لم يذهب احمد الذوادي، القائد الوطني الراحل، إلى الجامعات والأكاديميات لينال الشهادات العليا، لكنه فعل شيئاً آخر أكثر أهمية: لقد أرسل هو وبقية رفاقه كيوسف العجاجي وعبدالله البنعلي وغيرهم من قادة جبهة التحرير الوطني المئات من البحرينيين والبحرينيات للدراسة في الجامعات والمعاهد في الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية الأخرى، لتلقي العلم يوم كان التعليم حكرا على أبناء الذوات، وعاد هؤلاء إلى البحرين، هم الذين خرجوا من الأحياء والقرى الفقيرة وقد أصبحوا أطباء ومهندسين ومحامين ومعلمين تمتلئ بهم البلاد اليوم. لم يفكر الذوادي في نفسه، فكر في أبناء وبنات شعبه، لأنه يدرك انه بالتعليم سيرتقي الوطن، وفي هذا أظهر ما هو عليه من نكران للذات وإيثار الآخرين على نفسه، ولقاء ذلك لم يكن يبتغي جزاء أو شكورا من أحد. وبالمثل لم يحبس أحمد الذوادي نفسه بين صومعات الكتب، هو الذي لا ينقصه الذكاء والنباهة، ليس لأن الكتب ترف، وإنما لأن مهامه في النضال كبيرة ومتعددة، وهو الذي اختار أن ينخرط في الحياة مناضلا ومنظما لأبناء شعبه في النضال الوطني والديمقراطي، وحوّل منافيه الاجبارية الى معترك نضالي حقيقي حاملا قضية شعبه الى المحافل الدولية عبر المنظمات الديمقراطية العالمية كمنظمة التضامن الأفرو – آسيوي ومجلس السلم العالمي ومنظمة القارات الثلاث وغيرها، وبجهوده الكبيرة وجهود رفاقه بات العالم يعرف قضية نضال الشعب البحريني ضد الاستعمار البريطاني ومن اجل الاستقلال الوطني والديمقراطية. لم يقدم الذوادي نفسه يوماً على انه مفكر أو عالم، لقد عرفناه مناضلاً ميدانيا جسوراً وصلباً صان أسرار تنظيمه ولم يتنكر لحظة لخياره الوطني، وهو نفسه الذي قال في لقاء صحافي اجري معه بعد عودته من المنفى في عام 2001: “لم اندم يوما على عملي السياسي ولم اشعر أنني أخطأت بالطريق الذي اخترته لنفسي ولو قدر لي وعادت السنوات بي إلى ذلك الزمن فسأختار الطريق نفسه”. مع ذلك فان احمد الذوادي اجتهد في اعداد أوراق وبحوث قدمها لمؤتمرات عالمية حول قضايا النضال الوطني والديمقراطي في البحرين والمنطقة، وحول الاستخدام الأمثل للثروة النفطية في خدمة مصالح شعوب المنطقة في زمن لم يكن لدى التنظيم إلا قلة من الكوادر المؤهلة والمتعلمة، ويعرف كل من عايشوه في السجن أو المنفى سلامة فطرته السياسية التي صقلتها التجربة حيث استطاع هو وبقية رفاقه من قادة جبهة التحرير، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، صون تنظيمهم من مخاطر التطرف اليساري والانتهازية اليمينية، وسعوا لأن يسلك السياسة الصحيحة في ظروف معقدة ووسط جو بوليسي وأمني خانق. مؤسف وموجع لنا أن هذا الرجل الكبير حقاً ناله في حياته وبعد مماته من الأذى الشيء الكثير، فحين عاد إلى البحرين بعد إصلاحات جلالة الملك، مع بقية المنفيين، مُنهكاً من قساوة المنفى وبرودته ومن سياط مرض السرطان الذي كان يتنقل من منطقة إلى أخرى في جسده، عرّض به البعض، ممن كانوا يعدون أنفسهم رفاقاً له فيما مضى، لأن الدولة منحته بيتاً في مدينة زايد ظلّ يدفع قسطه الشهري لوزارة الإسكان حتى لحظة رحيله عن الدنيا. للحديث تتمة غداً.
صحيفة الايام
21 ديسمبر 2009