بداية نتوجه لجلالة الملك بالتهاني والتبريكات بمناسبة العيد الوطني والذكرى العاشرة لتوليه مسؤولية الحكم في البلاد، وهو الحدث التاريخي الذي أسس لانطلاق عملية التغيير والإصلاح في البحرين، والتي وضعتها في مسار جديد. والأمور تعرف بأضدادها كما يقال، فلكي نقدر ما نحن عليه اليوم من تغييرات ومن فضاء للحريات والممارسة السياسية، يجب أن نتذكر المراحل السابقة لمشروع الملك، مما يعلي من مهمة صون ما تحقق من انجازات، وتوطيدها وتطويرها والانطلاق بها نحو آفاق جديدة، والتصدي لمعوقات ذلك، التي كلما جرى التأخر في حلها، تراكمت وتعقدت وأصبح تجاوزها أكثر صعوبة. وفي الكلمة التي وجهها جلالة الملك، وألقى فيها نظرة على برنامج العمل الوطني الذي يتطلع إليه في المرحلة الراهنة وفي الأفق المنظور أكد على ضرورة الحفاظ على الإجماع حول الإصلاح، كشرط لحماية المكتسبات التي تحققت وصيانتها، من خلال نشر ثقافة القانون، وهي ثقافة لن تكون فعالة إلا إذا ما طبق القانون على الجميع، والتزم به الجميع، وأصبح الكل متساوياً أمامه بصرف النظر عن المنصب أو العرق أو الجنس أو التحدر الديني أو المذهبي، فمثل هذه الثقافة هي التي ستضمن التطور الصحي للمجتمع، وترسخ الإصلاح وتعززه. وعلى صلة بهذا الأمر تبرز مسألة الحفاظ على حقوق الإنسان وكرامته، وتطوير ما أنجزته مملكة البحرين في هذا المجال، من خلال وضع التشريعات الضامنة لهذه الحقوق، وإزالة كل التدابير أو القوانين التي تتناقض مع هذا التوجه، وتعزيز استقلالية القضاء وتأكيد نزاهته ورقابته على أي تجاوز. ولا يقل أهمية عن ذلك ما أشار إليه جلالة الملك حول تفعيل الرقابة الإدارية، بحكم امتلاك البحرين لأعرق الإدارات، من أجل ضمان حكم القانون، وتعزيز الرقابة المستقلة على الأداء المالي والإداري لأجهزة السلطة التنفيذية، وكشف أوجه الفساد وخرق القانون، وصون المال العام، وضمان توجيهه نحو النهوض بأوضاع البلد وتلبية الحاجات الحيوية للمواطنين، والارتقاء بالخدمات لاجتماعية، خاصة الأكثر حيوية منها في مجالات الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليمية والإسكانية، وتطوير البنية التحتية في البلاد لتلبي الحاجات العصرية وتتواءم مع نهضة البلد، ومع ما تمتلكه من ثروات ليست قليلة. إن الإصلاح عملية مستمرة، لا يصح أن تتوقف عند نقطة من النقاط التي بلغتها، وانجاز أي مهمة من مهامه يفتح الباب على مهام أخرى يجب انجازها، وجلالة الملك قال في كلمته انه لا يريد للعملية السياسية أن تجمد في موضعها، وبطبيعة الحال فان أجهزة الدولة المعنية مطالبة بترجمة هذه الروح من خلال الارتقاء إلى شروط ومتطلبات الإصلاح، التي تتطلب المثابرة والدأب والتمسك بالرغبة في هذا الإصلاح وإكسابه محتواه الحقيقي. وبطبيعة الحال فان العملية السياسية في البحرين طرحت تحديات ومهاماً لابد منها للتغلب على ارث الماضي، وإشاعة تفكير جديد يلائم المرحلة الجديدة، والتجربة الماثلة أمامنا تؤكد أن التغلب على التحديات التي جاءت مع التغيير الذي شهدته البلاد، يجب أن ينطلق من روح الإصلاح ذاتها، بتوسيع الممارسة الديمقراطية، ومعالجة مشاكل هذه الممارسة بالمزيد من الديمقراطية، وهذا ما يجب أن يترسخ في وعي المسؤولين والمواطنين.
صحيفة الايام
19 ديسمبر 2009