كانت عاشقة للوطن والشمس والزهور الحمراء وطيور النورس .. كانت ابتسامتها الدافئة لم تفارق وجهها.. وعلى فراش المرض كانت تخشى ان يتوقف قلبها بشكل فجائي ولكنه توقف .. نعم توقف وهي في رحلتها العلاجية بعيدة عن الوطن في حين كانت احلامها الوردية مزروعة في اعماق تربته الخصبة وفي جذور نخيله وفي بحاره العميقة التي كلما تشمها تشعر بالالفة، نعم هكذا كانت مريم اسماعيل المفعمة بالحيوية والتفاؤل والطموح وحب الحياة. مريم المسكونة بقصائد الوطن واشعار المرأة، كم كانت فرحة عندما انفتحت ابواب الوطن نحو آفاق اصلاحية جديدة، وكم كانت احلامها المولعة بالوجوه المتعبة والمطر تكبر يومًا بعد يوم .. مريم التي رقصت لانصاف المرأة حتى تباشير الصباح لم تتردد يومًا في الدفاع عن قضايا المرأة البحرينية ونساء كل العالم، بالفعل كان قلب مريم الواسع سعة بحار الوطن مشدودة أوتاره نحو حقوق المرأة ولماذا لا تكن مشدودة وفؤوس وانصال ووصايا العصور الحجرية تهدد وتطارد المرأة والحياة المدنية وربما طاف ببعض الاذهان السؤال : من هي مريم؟ هي الانسانة الطيبة الخلوقة المحلقة كالفراشات الملونة على وجوه الاطفال الصادقة الناكرة لذاتها عندما كانت منخرطة في صفوف الحركة الوطنية .. هي المحبة لكل شيء جميل في هذا الوطن والاوطان الاخرى والمعجبة شديد الاعجاب بشخوص مكسيم جوركي وبغايرييل غارسيا ماركيز واشعار محمود درويش وواسيني الاعرج الذي قال في رواية “مصرع احلام مريم الوديعة” في خلوة الخوف، وداخل ظلام الحفر السوداء كنت ابحث عن شيء جميل وغامض كالدهشة بين ركامات الابجدية لتحويله الى انشودة ممطرة في هدوء عينيك يا مريم الوديعة.. هي التي نسجت خيوط الامل حينما تقاطعت حياتها عندما كانت على مقاعد الدراسة في جامعة دمشق في مطلع سبعينيات القرن الماضي بهموم الناس وكل الكادحين .. هي التي حلقت في الفضاءات البعيدة لتعانق الشموس في نشوة لا توصف، هي التي شعرت بدفء رفاق ورفيقات دربها وحنان احمد الذي هو الآخر احترق من أجل الآخرين .. هي التي سبحت مسافات طويلة لتنظم لكل الذين تركوا بصماتهم على جدران الحرية .. هي التي ما ان ولت سنوات الجمر حتى وجدت نفسها تطفو الى سطح آخر، وكم كانت امنياتها ان تتسع حقوق المرأة وان تكف جماعات التشدد الديني ومحاكم التفتيش عن غرس انصالها في جسد المرأة .. هي التي قاومت هذه الانصال والمحاكم كغيرها من نساء ورجال هذه الارض كي تنتصر المرأة وينتصر المجتمع في باحة العقل لا في استباحة النصوص الجامدة .. قطارك يا مريم مضى الى محطته الاخيرة باقصى سرعته ولكن قطار الحياة ما زال يمضي دون توقف حتى لو اراد له اهل الكهوف والازمنة الغابرة ذلك. احبتك يا مريم واصدقاؤك في اتون فجيعتهم وحسرتهم ولكنهم قطفوا لك الزهور من الحدائق التي لا تنجب إلا الورود لانك لم ترحلي بل باقية في القلوب وفي الذاكرة.
صحيفة الايام
19 ديسمبر 2009