تحكى حكاية على شكل طرفة يتبادلها الناس عبر «الإيميل» أو «مسجات» بالهاتف الخلوي هذه الأيام، تتحدث عن أنه: كان صبي يسكب القهوة لبدوي، وكان هذا الصبي يمسك «الدّلة» بيده اليمنى، و«الفناجين» باليسرى، فقال البدوي لهذا الصبي: أصول تقديم القهوة العربية للضيوف يا ولد «يسارك بيمينك، ويمينك بيسارك»، رد الفتى: «حلوة!!».. تعرف «بطتنه ببطتكم؟».
قال البدوي: هات ماعندك.. فقال له الصبي، حكاية «بطتنه ببطتكم» تبدأ هكذا: «بطتكم بطّت بطن بطتنه، مثل ما بطتنه بطت بطن بطتكم، تقدر بطتكم تبط بطن بطتنه، مثل ما بطتنه بطت بطن بطتكم؟!!».
هل فهمتون شيئاً؟…. ولا أنا.
قديماً قالوا: «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان»، وقائل هذه المقولة لا بد أن يكون تنويريا، لم يقل كلمته ويمشي، بل اختزل مسافات لأزمة غابرة في مقولة فلسفية قصيرة تعبر عما كان، وكيف كان وما يجب أن يكون لتسير الأمور بشكل طبيعي، سلس ومفهوم.. قائلها لم يهذِ مثل العرب بالكلمات السريعة المتلاطمة على طريقة: «الحجي كركشنكي ذبح كبش وعمل من كرش الكبش كشك، يا محلى كشك، كرش، الحجي كركشنكي!!»، أو القائلين في مباريات الكلام: «فسنستكت بكت كفت كموها، وإن كنتم رجالا ففهموها!!».
مناسبة هذا الكلام، ليس اضحاككم، بل ما عانيناه من اضحاك العالم علينا؛ فحين سألوا مسؤولا عربيا عن تأخير خدمة الهواتف الخلوية والانترنت في بلده رد على الفور: «حتى لا يتخابر شعبنا مع العدو الصهيوني!!».. ألم تكن هذه مصيبة، خاصة وأن هذا البلد به جوع وضرب اجموع؟!».
وعندما يستغرب العالم من تأخر الديمقراطية في الوطن العربي وممارستها في حياتنا اليومية يرد جلنا بـ«خشمٍ» مرفوع علوه بعلوي السماء، وبعبارات مصنوعة في قوالب جاهزة: أن تقاليدنا وأعرافنا وشريعتنا الإسلامية السمحة، هي أرقى أنواع الديمقراطية، ولسنا بحاجة أن نستورد «انحلال الغرب» إلى بيوتنا ونغسل دماغنا بمفاهيم: «الحرية والديمقراطية، ومبادئ حقوق الإنسان!!»، بينما أنظمتنا تستورد كل شيء من الغرب، من الأبرة وأزرة الملابس، إلى الصواريخ والطائرات المدنية والمقاتلة، والدبابات ومدافع الهاون، حتى علب السردين المعلبة والأجبان، والعطور، وأدوات تعليب وحفظ «حليب الناقة»، ونشتري من عندهم «فلو وفلوة» لحصان عربي أصيل وسلالاته العريقة بملايين الدولارات.. هل تريدون المزيد؟.. في جعبتنا الكثير، وما بعد الفاصل نواصل، كما يقول أحد مذيعي المحطات الفضائية العربية.
الاثنين والثلثاء الماضيين (14 و15 ديسمبر) عقدت واختتمت قمة دول مجلس التعاون الخليجي «الثلاثين»، التي انتهت وكالعادة، ببيان ختامي تعرض لملفات سياسية واقتصادية خطيرة، بعضها طارئ مستجد، وآخر مزمن، لكن المفردات ذاتها تكررت منذ ثلاثين عاماً من عمر المجلس، الذي ولد في حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، وعاش بعدها بحرب الخليج الثانية (الغزو العراقي لدولة الكويت) تلتها حروب وحروب وتوترات، إضافة إلى أزمات اقتصادية، وتبخرت ترليونات من الدولارات على التسليح ومكافحة الأزمات، وطبعاً قليل من الدولارات صرفت على التنمية البشرية المستدامة والبنى التحتية. وبعد 30 عاماً من هذا العمر المديد قطفنا ثمرة «الربط الكهربائي» بين الدول الأعضاء، والشروع في بناء السكك الحديدية، ونتعسر بكلام غير مفهوم عن العملة الخليجية الموحدة، غير أنه لم يأتِ ذكر لوضع الأساسات لبناء الديمقراطية، والحكم الصالح، وإشاعة الحريات العامة ورفع سقفها في دولنا، وكأنها شيء ثانوي لا يساهم في حماية المنطقة من التحديات التي يتحدثون عنها.
ألم نقل أعلاه: «بطتنه ببطتكم، وإن كنتم رجالاً ففهموها».
****
قال المسيح: «أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم».
صحيفة الوقت
18 ديسمبر 2009