يقال إن امرأتين أتيتا إلى رجل حكيم، قالت الأولى له: “يا مولاي، لقد اقترفت في حياتي خطيئة، أرجون أن تساعدني فترشدني إلى طريقة للتكفير عنها”. ثم سأل الحكيم المرأة الأخرى: “وأنت ما خطبكِ؟” فردت: “أنا لم أقترف أية خطيئة”. جال الحكيم بنظره بين المرأتين، ثم قال للأولى: اذهبي فاحضري إليّ بأثقل حجرة يمكنك حملها، وقال للثانية: أما أنتِ فاجمعي ما تستطيعين من صغار الحصى ولتأتي كل منكما إليّ بما طلبتُ . ذهبت المرأتان ثم عادتا للحكيم، الأولى محملة بأكبر حجر أمكنها حمله، والثاني بكيس ٍ مليء بأحجار صغيرة، قال الحكيم: حسناً، والآن لتذهب كل منكما فتعيد الحجارة إلى المكان الذي أخذتها منه أول مرة، وعودا إليّ مرة أخرى. المرأة الأولى توجهت مسرعة إلى المكان الذي أخذت منه الحجرة الثقيلة، أما الثانية فقد احتارت كيف تحدد مكان كل حصى جمعتها، وعادت إلى الحكيم محملة بذات الكيس، قائلة إنها لا تستطيع معرفة مكان كل حجر. قال الحكيم مخاطباً المرأتين: إن الفرق بين أفعالكما يشبه الفرق بين الصخرة الكبيرة التي حملتها أُولاكما، وبين صغار الحجر الذي جمعته الثانية. فخطيئة الأولى واضحة ومرئية وسهلة التحديد. أما “خطايا” الثانية فهي كثيرة ومبعثرة ومن الصعب تذكرها كلها أو تحديدها. كان السيد المسيح يقول: من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر، والعلاقة وثيقة بين قول المسيح وبين حكمة الحكيم الذي أراد شرح فكرته عن الخطيئة والخطايا بالطريقة التي أتينا على ذكرها، وهي تصلح قاعدة للحكم على سلوك كثير من البشر في هذه الدنيا الذين ينسون في غمرة دعوتهم لمكارم الأخلاق أن سلوكهم لا يستقيم دائماً مع دعواتهم، وأنهم محملين بأوزار من الخطايا بعدد حبات الحصا في كيس المرأة التي زعمت أنها منزهة عن الخطأ، ولكنها خطايا “مستورة” لا تُرى بالعين المجردة، خطايا من النوع المموه الذي لا يترك أثراً يمكن اقتفاؤه لمن يريد الاقتفاء. وهذا النوع من الخطايا هو الأخطر والأسوأ وقعاً على المجتمع إذا ما قيس بالخطيئة الواضحة التي قد لا يتردد صاحبها نفسه عن الاعتراف بأنه اقترفها في لحظة من لحظات ضعفه أو تهوره أو نزوته، تماماً كما فعلت المرأة الأولى. صاحب الخطيئة اليتيمة البسيطة، البريئة، إن جاز القول يتملكه العذاب وتأنيب الضمير لأنه لا يستطيع إخفاء أو تجاهل أنه أتى فعلاً غير صائب، أما صاحب الخطايا التي لا تترك أثراً فإنه يكابر ويقسم بأغلظ الإيمان أنه والنقاء والطهارة سواء. وهذا النمط الأخير من الناس هم من الكثرة بحيث تصادفهم هنا وهناك، في مختلف الزوايا، قابعين أمامك وخلفك وحولك، والأدهى أنهم في موقع التأثير بالقول وبالفعل في الجمهرة الواسعة من الناس الذين لا يملكون دائماً أدوات الفهم اللازمة بسلوك ودواخل هذا النمط من البشر.
صحيفة الايام
16 ديسمبر 2009