بمناسبة يوم الطالب الإيراني (في السابع من ديسمبر) اتضح للعالم ان مشروع وملامح الثورة آت، وان لم تستكمل ملامحه بالكامل، ولكن خيوط الانتفاضة ليست إلا استجماعا وتحضيرا، فذلك وحده هو التمرين العام للثورة، وهي تستعد لخوض فصولها الدرامية الأخيرة تحت شعار شكسبيري والذي بات اليوم في كل زاوية في إيران ماثلا للعيان: “نكون أو لا نكون ذلك هو السؤال”. هذا الفصل التاريخي من حياة الشعب الإيراني ليس إلا جزءا من فصول عالمية كثيرة عرفتها حركة التاريخ الصاعد للامام، وان تعرضت تلك المسيرة –أحيانا للانكسارات– لكنها في النهاية تشهد نهوضا عاصفا يطيح بكل أركان البيت القديم المتآكل، فقد شرخت الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية نظام الجمهورية الإسلامية وعافيته في العمق وشاخت كل شعاراته العتيقة، هذا النظام الجاثم أمامنا في الجمهورية الإسلامية مصاب بالعقم السياسي وعاجز عن التغيير والتجديد، بل وفاقد لكل إمكانية الإيمان بتسليم السلطة للآخرين، وهذا ما بات في انتفاضة يونيو 2009 واضحا، وبصورة عمودية وأفقية، تفجرت فيها كل الحناجر الصامتة، فمرحلة ما بعد الانتخابات انتهت ولن يقبل الشارع الإيراني بمجرد تبادل السلطة وتدويرها مع هذا النمط من الأنظمة التاريخية، التي تحاول ليّ عنق التاريخ وإخراجه من وقائعه الموضوعية. اليوم نسمع ليس هديرا طلابيا وإنما هديرا للشعب فقد أصبح طلبة جامعات وكليات إيران لسان حال معبر عن تلك الاختلاجات السياسية الشعبية المستمرة، اختلاجات كانت تارة خافتة وتارة تتحول إلى أصوات أعلى من سقف الغيوم والأفق المغلق. ها نحن نراهم اليوم الفتيان الشجعان، فتيان وفتيات شبابية، ينتفضون بسخط عميق ولا متناه وهم يكسرون حاجز الخوف والقمع، الذي شيّده النظام لنفسه وسيّج نفسه به منذ لحظات انتصار الثورة ضد الشاه. ما تشهده اللحظة التاريخية في إيران ليست إلا تعبيرا حقيقيا عن عجز النظام لمعالجة أخطائه المتجذرة، ولرؤية الخيار التاريخي الجديد الأكثر انسجاما مع المتغيرات العالمية، المتغيرات التي تطالب بها الشعوب من اجل الحرية والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان، فالثورة ليست تسويقا للشعارات وليست تزييفا للحقائق وتدليسا للمفردات الكلامية الوهمية، مثلما الثورة ليست قلعة للاستبداد والاستفراد والهيمنة، وإنما المكان الطبيعي في حق الشعب كله في المشاركة والتغيير. هستيريا النظام القمعي مع الطلبة في عواصم إيران وجامعاتها سواء في غربها أو شرقها، جنوبها ووسطها وشمالها، فكلها في لحظة انصهار وتلاحم واحد وصوت جماعي جديد لا ينتمي للماضي وإنما يهرول نحو المستقبل، لهذا هتافات يا أيها النظام »ارحل« صارت نغمة واحدة في شوارع البلاد طولا وعرضا، ففي ساحة انقلاب يتردد صوت ينادي بإطلاق سراح السجين السياسي، فهل تجدي تغطية أكشاك الهواتف العامة في محيط جامعة طهران؟! وصفوف الشبان في طهران يجترحون العجائب ويبدعون لمنطق الانتفاضة. تنتج الانتفاضة صوتها الطلابي كمقدمة لمشروع ومخاض قادم لا يمكن أن تخطئه العين، ولن ينفع كبح جماح أمواج المد العاتي لبحر الانتفاضة الملتهبة والاعتقالات الواسعة في صفوف الشبان في طهران وجامعاتها، لن يصمت صوت وأمواج هدير جامعة أمير كبير «جامعة أهواز»، مظاهرات الطلاب في زنجان، ايلام وبندر عباس، وسيستان وبلوشستان »تبريز« جامعة مازندران «مدينة ساري» طلاب وجامعات مشهد ورشت وكرج واورميه ومريفان وبروجرد، وبهبهان وكرمان وياسوج وهمدان وكرمنشاه وقزوين واراك وجامعات نجف آباد وهرمزكان ومراغه ومريفان وسفز، ومدن وجامعات أخرى في سلسلة المحتجين والغاضبين، حتى وان ازدحمت مراكز الشرطة بالمعتقلين الشباب. أمامنا اليوم مشهد من مشاهد زمن أمريكا اللاتينية والانقلابات العسكرية القديمة، حيث زج النظام بقواته العسكرية في الشوارع، فيما راحت قوات الباسيج تلاحق الطلبة من بيت إلى بيت ومن جامعة إلى جامعة، وتفتش في الهويات والهواتف النقالة، بل وتفتش في ضمير الإنسان الإيراني فربما يخفي تحت قشرة الرأس كابوسا من رجال المقاومة الوطنية ومجاهديها، وزهور نسائها المنتشيات برائحة النصر. شعب يحتضن بين ضلوعه امرأة من نمط زهراء أسد بور جرجي وابنتها فاطمة وابنها المعتقل رضا، حتما سينتصر، فسيرة عائلة معتقلة بأكملها تذكرني بحكاية رواية الأم الروسية، فقد وضعت زهرا لمدة عامين في المعتقل لمجرد انها زارت ابنها في مدينة اشرف! شعب بتلك الروح القتالية لا بد وان يخصب جيلا من المتعطشين للحرية وأغنيتها الصادحة في شوارع طهران. في يوم الطالب الإيراني صار فضاء إيران المزدحم بالأسـئلة إلى أين تمضي مسيرة الغضب والى متى تبقى المشاعل مضيئة؟
صحيفة الايام
15 ديسمبر 2009