كل التوقعات تـُشير إلى أن القادم هو أسوأ من الواقع في ظل الأزمة المالية الطاحنة والذي ضرب زلزالها المدمر بيوت الأسر الفقيرة، ودفع أبناء الطبقة العاملة أثماناً غالية، كان أبهظها فقدان وظائفهم، وحرمان أطفالهم مصادر رزقهم، حيث دخلهم الضعيف ذي الدنانير الزهيدة.
ولا نبالغ حينما نقول إنّ العديد من العمال والموظفين قد تمّ فصلهم من وظائفهم بشكل تعسفي وعلى يد كبرى الشركات التي كان من المفترض أن تصمد بوجه الأزمة وتخلق بل تختلق بدائل أخرى للحد من التكاليف، بعيداً عن حرمان المواطن من مصدر رزقه، ولكن هي ديمومة رأس المال وطاحونة سوقه المترنحة التي لا ترسو بحلولها إلا على أن يكون العامل والموظف هما كبش الفداء.
وأمام واقع كهذا قد اختبرناه بصورة واقعية وشاهدنا كم عجزت وزارة العمل عن التصدي لأرباب العمل والوقوف بوجه قراراتهم اللا مسئولة والمعدومة من الحس الوطني، وكيف كانت في أفضل وأحسن الأحوال تأتي بحلول التعويضات الزهيدة وغير المنصفة لشقاء العامل وضياع سنوات عمره التي أمضاها أجيراً مُطيعاً في خدمة رب العمل، فتلك التعويضات ما هي إلا كذر الرماد في العيون، فمن فقدوا وظائفهم أصبحوا أعداداً متزايدة في طوابير البطالة وأرقاماً متصاعدة تستنزف صندوق التعطل الذي من المفترض أن يكون مسانداً للباحثين عن عمل وليس تقديم جرعات مخدرة لأسراب المفصولين وضحايا الأزمة المالية والخصخصة التي أعلن عنها مؤخراً الرئيس التنفيذي لمجلس التنمية بوضوح وفي أكثر من مناسبة على أن الدولة متجهة نحو خصخصة العديد من القطاعات والمشاريع الحكومية، ومقبلة على فتح اعتماد سياسة الباب المفتوح للاستثمارات الأجنبية،.
تلك الاستثمارات لا نظن أنها ستحتضن العمالة الوطنية في الوقت الذي ترفض ذلك الشركات الوطنية والقطاعات الحكومية….!! وكلنا يعلم ماذا تعني تلك الاستثمارات الأجنبية وما هي ويلات الخصخصة وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية على الطبقة العاملة خصوصاً في ظل غياب الضوابط المنظمة لها وبالشكل الذي يضمن ويراعي حقوق العاملين. إن بلداً كالبحرين لن يكون بأفضل من عمالقة الرأسمال، ففي أمريكا اليوم ملايين العاطلين ونحن كذلك لدينا الآلاف وقد طحنت الأزمة المالية وقذفت بملايين العمال لمواجهة الفاقة والحرمان وها هنا نحن أيضاً كان لتداعيات الأزمة مئات الضحايا من الموظفين والعمال في ظل تزايد وتسارع مهُول في نسبة العمالة الأجنبية.
بالمقابل هناك ارتفاع في تكاليف المعيشة يقابله تدني حتمي في الأجور وتدهور القدرة الشرائية. إنها مؤشرات مخيفة لا يعلم أحد ما هي تداعياتها المستقبلية، ولكن مما لا شك فيه أن الطبقة العاملة ستكون دوماً هي كبش الفداء، وأولى الفئات الاجتماعية المتضررة وهنا تأتي ضرورة تدشين عريضة عمالية تـُمثل مطالب الطبقة العاملة وتتحمل مسؤوليتها وأمانتها التاريخية الحركة النقابية وبمقدمتها الإتحاد النقابي والذي عليه تقع المسؤولية للمبادرة على مستوى الوطن للدفاع عن حقوق الطبقة العاملة وإبراز معاناتها ومطالبها الشمولية للجهات الرسمية والمسئولة بالدولة.
إن الاكتفاء بالحلول الجزئية والمشاكل الفردية المتناثرة هي بالأساس جزء من قضية عامة ذات صلة بالتشريعات العمالية وأنظمتها وكذلك مسودة قانون العمل التي لازالت -ربما في أروقة مجلس الشورى- فتلك المسودة هي معضلة بحد ذاتها فعلى الإتحاد العام لنقابات عمال البحرين وأمانته العامة تعقب ذلك، فمسودة القانون تلك تحمل في طياتها بنوداً و مواداً لا تصب في مصلحة العمال و تـُقزم حقوقهم.
من جانب آخر هناك تهميش وغياب لقانون الحد الأدنى للأجور إلى جانب بقاء الحد الأدنى للراتب التقاعدي على حاله ولا يوجد ما يحمي العامل من الفصل التعسفي. كل ذلك، جملة من الأمور تُشكل طامة كبرى نحو مصير ومستقبل الوضع المعيشي للطبقة العاملة وهي بالأساس مطالب جوهرية للعمال لابد من حلحلتها عبر عريضة جماهيرية للطبقة العاملة تـُجّسد وحدتها ومطالبها الرئيسية وبالتالي يكون محور تبنيها وتدشينها ومركز انطلاقها الإتحاد العام للنقابات والذي عليه أن يُجدد أسلوب تعاطيه مع الأحداث ويـُنظم جهوده ويوحد كياناته النقابية المترامية والمتناثرة والمُغيّبة ويُصلح من بيته الداخلي المصاب بالشلل ودائرة الروتين.
فالحركة النقابية لابد أن تأخذ مواقعها المتقدمة في النضال من أجل تحقيق المزيد من المكاسب للطبقة العاملة وتبني مطالبها الجوهرية، فقد آن الأوان للنزول للشارع العمالي وتلمس واقعه وتوحيد صفوفه بعيداً عن المقاعد الوثيرة والغرف المُكيفة، وبرتوكولات الإعلام ودبلوماسيات دوائر المسئولين.
فالحركة النقابية ليست “وزارة الخارجية أو سلك دبلوماسي” إنها القوة الضاربة لتمثيل حقوق العمال والدفاع عنها بإستماتة فلن تتطور الحركة العمالية والنقابية بالتكتلات الفئوية الضيقة ولوبيات الأطراف وخندقة الإقتسامات والانقسامات الشخصية. إنّ القوة التفاوضية للحركة النقابية ومكانة إتحادها هي مكانة جماهيرية وعددية، وهذه المكانة لن تتحقق إذا ما ظلت الغالبية من التشكيلات النقابية في عداد المحنطة ويتم التعامل معها بشكل انتقائي.
وإنّ صحّ ما أثاره النقابي باسم كويتان عضو مجلس إدارة نقابة عمال ألبا في الصحافة مؤخراً بأن هناك (فيتو) من الإتحاد ضد نقابة عمال ألبا، فهذه كارثة في أن يتم استبعاد أكبر وأقوى نقابة ويتم التعامل معها بحساسية أساسها طائفي وحزبي، وهذا التوجه لا علاقة له بالعمل النقابي، هذا يذكرنا بأجواء انتخابات الأمانة العامة ويُعيد كذلك للأذهان ضرورة إعادة تعديل النظام الأساسي للإتحاد الذي من غير المعقول أن يقبل بوجود عضو بالأمانة العامة للإتحاد في الوقت الذي لا صلة لذلك العضو بالعمل النقابي في أية منشأة.! فهذا نظام أقرب للوراثة منه للعمل الديمقراطي.
إنّ حل تلك الإشكالات العميقة بحاجة للإيمان بمبدأ النقد والنقد الذاتي لا بحذلقة الردود وتبرير المواقف بنظرة ضيقة للأمور لا ترى إلا أرنبة الأنف، فتبتعد كثيراً عن آلية وعملية رسم مستقبل الحركة النقابية الذي معني به الإتحاد العام وهو مدعو اليوم لمراجعة وتقييم تجربته والبحث عن سبل جمع الكلمة وتوحيد الصفوف، ونرى وبكل أمانة وبشكل مرحلي أن تبني إطلاق شرارة العريضة العمالية متضمنة مطالب الطبقة العاملة المحورية لهو بداية لانطلاقة جديدة نحو توحيد الصفوف وجمع الكلمة ونقلة نضالية نوعية نحو الدفاع عن الحقوق المشروعة للطبقة العاملة.
نشرة التقدمي ديسمبر 2009