مثلما تحتفل الشعوب ومختلف الاحزاب الوطنية ومنظمات حقوق الإنسان، وطالبو الحرية على وجه البسيطة، بذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في يوم العاشر من ديسمبر من كل عام بعلامات مضيئة.. فإن الأنظمة الدكتاتورية يظل لسان حالها ينطق بالنقيض، وذلك انعكاسا لمراسيم العزاء الكئيبة التي تلقي بظلالها على سياسات تلك الحكومة الاستبدادية أو الاخرى بعلامات مظلمة.
وبحسب ما يمثل الإعلان العالمي لحقوق الانسان الركائز الأساسية في دعم حقوق الإنسان والسعي إلى تحرير الشعوب المضطهَدة من القهر السياسي بكسر قيودها وتحطيم اغلالها، ومناصرة المسحوقين من الطبقات الدنيا من الفقراء والكادحين في رفع غطاء الظلم الاجتماعي والطبقي عن كواهلهم.. فان البطائن الفاسدة من الحكام الطفيليين والمستبدين، تظل أياديهم المرتعشة على قلوبهم، خشية من فضحهم وافتضاحهم بكشفهم عن ضمائرهم الميتة التي داسوا عليها، بقدر إماطة اللثام عن جرائمهم التي ارتكبوها بحق شعوبهم ومجتمعاتهم.
تمر الذكرى الحادية والستون للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فتواصل الشعوب نضالاتها من أجل انتزاع حقوقها وحرياتها، حسبما تجدد مغازي ودلالات شعار فيلسوف الثورة الفرنسية “جان جاك روسو” القائل: “ولد الناس أحرارا متساوين في الحقوق”.
ان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي صدقت عليه هيئة الأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر عام 1948م، قد يمثل امتدادا للثورة الفرنسية في عام 1789م، والثورة الصناعية في عام 1848م، وتواصلا مع المبادئ الأممية لأصول الفلسفة الماركسية، منذ اصدار “البيان الشيوعي” في عام 1848م، وتأسيس “الأممية الأولى” في عام 1864م.
وهكذا تبقى الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان مضيئة، مثلما يتسم هذا الإعلان العالمي بالشجاعة الأدبية، ويزخر بالمواقف المبدئية والبطولية، لكشفه غطاء المؤامرات للدول الغربية، وعلى رأسها بريطانيا، والتي شردت شعبا بأكمله، واقتلعته من أرضه، حينما احتلت بريطانيا فلسطين، وصادرت أرضها إلى يهود الشتات وعصابات المافيا الصهاينة، عبر مخططات تآمرها، ومراحل احتلالها الاستعماري لفلسطين، منذ وعد بلفور الأسود في عام 1917م، مرورا بالانتداب البريطاني على فلسطين في عام 1924م، وتواصلا بعام النكبة 1948م.
ولعل الشيء بالشيء يذكر هو حينما أقدمت الدول الغربية، وفي مقدمتها بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا، على استعمار دول العالم الثالث وصادرت خيرات شعوبها، وبالتالي أوجدت أنظمة استبدادية بحسب مقاساتها وسياساتها، نصبتها ككلاب حراسة لمصالحها الكولونيالية.. فان هذه الأنظمة الاوتوقراطية في الوطن العربي خاصة والعالم الثالث عامة، تمثل الوجه الآخر من الدكتاتورية والاستبدادية.. لكون بعضها افتقد شرعيته، وافتقر الى مقوماته السياسية والإدارية، وتشكيلته المجتمعية والمؤسساتية لعوامل تعود أسبابها الأساسية إلى تزوير الانتخابات الرئاسية من جهة، وتعديل الدستور بشكل استثنائي، بما يتماشى ومصالح هذا الحزب الحاكم، ومصالح هذا الرئيس، الذي جرت عليه العادة المألوفة تمديد رئاسته، بعد ان أصبح قاب قوسين أو أدنى من العجز والشلل، أو تمديد ولايته الرابعة أو الخامسة، بعد ان تجاوز السن القانونية التي لا تسمح له بالانتخابات الرئاسية.. ناهيك عن بروز نظام حكم التوريث للأبناء والأحفاد أيضا.
أما البعض الآخر من الحكومات، فهو مفروض على الشعب، بلغة الدم والحديد، وبالأحكام “البوليسية” والعرفية، وقوانين الطوارئ وأمن الدولة، مقرونة بفتح المزيد من السجون والمعتقلات، ومصاحبة بغرف التعذيب الرهيبة.
ولعل بهذا الصدد وبمناسبة الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فان التقارير الدورية الصادرة عن مختلف جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان العربية والدولية، وفي مقدمتها “لجنة الأمم المتحدة لمكافحة التعذيب”.. قد كشفت عن واقع تلك السجون القمعية، وغرف التعذيب الأكثر قمعا.. وذلك من خلال زياراتها الميدانية، ومتابعاتها الراصدة، تدعمها الأرقام والإحصائيات، وتؤكدها تداعيات الحقائق والوقائع.. ويكفي بهذا الإطار ان نستشهد بالتقرير الذي انجزه “مانفريد نواك” “المحامي الاسترالي المدافع عن حقوق الانسان، والمقرر الخاص للأمم المتحدة للتعذيب والاشكال الأخرى من المعاملة الوحشية وغير الانسانية”، والصادر هذا التقرير في يوم 20 اكتوبر 2009م.. يقول “مانفريد نواك” خلال تقريره: “يمكن أن يقضي سجناء في سجن بأوروجواي سنوات داخل صناديق من الصفيح تصل فيها درجات الحرارة إلى (60) درجة مئوية”.. ثم يستطرد من خلال التقرير ذاته، ليكشف عن عورة نظام دكتاتوري آخر وأساليبه القمعية بحق المعتقلين قائلا: “في حين توجد نساء وأطفال بين سجناء محتجزين داخل “غرفة تعذيب” في نيجيريا، واخضاعهم إلى سبل التعذيب من ضمنها اطلاق اعيرة نارية على السيقان وترك المصابين باصابات بالغة من دون علاج”.
إن ما يبعث على فخر المناضلين في كل مكان، ان تقرير المحامي الاسترالي “مانفريد نواك” قد كشف القناع عن الحقائق المؤلمة للشعوب المضطهَدة، ليمتد بدلالاته وحقائقه فيشمل السجون المنسية.. إذ يقول التقرير: “هناك السجون المنسية ومعاملة الاطفال معاملة وحشية في عشرات الدول التي زارها المحامي الاسترالي”.
ويصرح “مانفريد نواك” أيضا من خلال تقريره مسترسلا: “ان التعذيب شائع في شتى انحاء العالم العربي” ثم مضيفا بقوله: “ان معظم الدول العربية رفضت السماح له بزيارة سجونها ومراكز الاعتقال بها”.. ويختم المحامي الاسترالي المدافع عن حقوق الانسان من خلال تقريره القيم، بكشف فضائح الأنظمة الدكتاتورية بحق شعوبها وبحق الاحزاب التقدمية والرموز الوطنية.. مخاطبا أحرار العالم: “ان هناك نحو عشرة ملايين سجين في شتى انحاء العالم في أوضاع غير مقبولة، وان اغلبيتهم في أوضاع تنتهك فيها كرامة الانسان”.
في نهاية المطاف فانه من دواعي فخر الشعوب ان ينحني المناضلون اجلالا أمام هذا التقرير المتصف بالشجاعة والبسالة، والمتسم ببصمات مشرفة، إذ وجد هذا التقرير المكانة الكبيرة في قلوب الشعوب وعقول المناضلين قاطبة.. مثلما يستنهض طالبو الحرية، إراداتهم وهممهم ونضالاتهم من معين الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الانسان
أخبار الخليج 11 ديسمبر 2009