اكتب هذه السطور من عَمَان .. حيث ينشغل الناس بموضوع الانتخابات البرلمانية منذ قرار العاهل الأردني بحل مجلس النواب قبل انتهاء مدته الدستورية، والدعوة إلى انتخابات بقانون جديد يضمن انتخابات برلمانية نزيهة من ألفها إلى يائها ، الأمر الذي شكل مدخلاً في أوساط المحافل الحزبية والتجمعات الشعبية والصالونات السياسية والمؤسسات النقابية والوسائل الإعلامية للحديث عن عملية إصلاح قيل بأنه يراد له أن يتواءم مع متطلبات المستقبل أكثر من الدوران في أطراف الماضي.
المشهد برمته محمل بتفصيلات ورؤى وتوقعات واجتهادات وسيناريوهات وحسابات وتساؤلات حول دواعي الحل وأسبابه ومقتضياته وإفرازاته، كما لا يخلو المشهد من توجس لدى البعض حول الجدية في المضي قدماً في مسيرة الإصلاح، وحول منسوب النزاهة والشفافية في العملية الانتخابية المقبلة وما اذا كانت ستكون فوق مستـــوى الشبهــات أم سيعــاد إنتــاج البرلمان السابق بطريقــة مختلفــة ويكــون الجديــد فيهــا تغيير بعض الوجوه ..!
ما يهمنا ويلفت انتباهنا في هذا المشهد أمرين ، الأول ذلك الارتياح في أوساط مواطنين كثر أيدوا واحتفوا بحل مجلسهم النيابي الذي لم يكن برأيهم جديراً بالثناء أو البقاء، وكتبت الصحف الأردنية بأن الارتياح فاق كل تصور في حالة وصفت بأنها تقع في باب المضحك المبكي ، إذ كيف يمكن أن يحتفي شعب ما – أي شعب – يتوق للديمقراطية والدستورية والاستقرار المؤسسي بحل مؤسسته التشريعية بكل هذا الابتهاج الذي تم التعبير عنه في الشارع الأردني بأفصح لغة وأوضح كلمات وبانتقادات هي بمنتهى الصراحة والقسوة ، بل أكثر صراحة وقسوة قيل بأن الأردن لم يشهد مثلها بعد أن اعتبر المجلس المنحل بأنه سجل أسوأ أداء في تاريخ المجالس النيابية الأردنية وحصاده كان شائكاً ومراً وباهظ التكلفة.
أما الأمر الذي يلفت انتباهنا ويهمنا ويعنينا هنا في البحرين فهو المتمثل في المشتركات في الحيثيات والوقائع ذات الصلة بأداء وممارسات النواب التي زخر بها المشهد الأردني والتي نجد فيها قدراً مثيراً للدهشة لما هو عليه الحال في واقعنا البحريني ، وهي خلاصة تستوجب التأمل والمراجعة لاسيما وأننا نكاد أو كدنا والسلام نعيش أجواء انتخابات قريبة نأمل بأن تخلو من الشوائب.
من النعوت والصفات وهي منشورة ومتداولة التي عبرت عن امتعاض شديد من مجلس النواب الأردني بعد عامين من عمره والتي يمكن أن نمعن فيها جيداً ونتأمل المشتركات القائمة التي نراها واجبة الاعتبار والاستبصار لأسباب أحسبها معلومة للجميع، نتوقف تحديداً أمام هذه العينة :
– انه مجلــس شكــل عبئــاً سياسيــاً وديمقراطـياً علــى جهــود الإصلاح.
– انه “ مجلس استهلاكي “ لا يمتلك شروط الديمومة والاستمرار والتمثيل الحقيقي للقاعدة الشعبية.
– مجلس بلا وجه ولا وجهة ولا ملامح.
– انه مجلس جعل فيه النواب موقعهم النيابي بقرة حلوب بالحصول على إعفاءات وامتيازات ومكاسب تتناقض مع العدالة .
– انه مجلس اتجه أعضاؤه لخدمة مصالح شخصية وفئوية، وانشغلوا في مناكفات وصراعات داخلية أثرت على الأداء العام للمجلس وأضعفت من دوره التشريعي والرقابي .
– مجلس غيب دور الحركة السياسية المنظمة في الحياة البرلمانية وكرس الإنفاق العام وعزز المظاهر العشائرية ومرر سياسات حكومية بدلاً من مراقبتها .
– انه مجلس شهد ارتفاع منسوب استغلال المنصب والحصانة البرلمانية في قضايا تحمل شبهات فساد .
– انه مجلس مرر قوانين كأمر واقع كان النقاش حولها ينطلق من مصالح خاصة ومساومات من تحت الطاولة وليس من المصلحة العامة.
– انه مجلس شهد فيه غياب نواب عن جلساته دون أي مبرر، فقط لأنهم يريدون التصويت على مشروع قانون بنعم أولاً.
القائمة تطول وتطول .. وخلاصتها أن مجلس النواب الأردني المنحل انحرف عن مساره الدستوري وابتعد عن نبض الشارع الأردني ولم يكن رافعة لتقدم الحياة العامة في البلاد، ولم يخدم مسيرة تطور الحياة الديمقراطية ..
المهم أن الأخوة في الأردن باتوا ينتظرون انتخابات مختلفة تؤذن بتحول وإيمان عميق بالديمقراطية ونتائجها، انتخابات بعيدة عن أي تدخل أو تلاعب في إرادة الناخب وتتوفر لها كل مقومات النزاهة والشفافية ..
أنهم ينتظرون برلماناً يتصدى للمحسوبية والفساد والترضيات والمساومات ، برلمان متحرر من الإملاءات والتوجيهات ويكون أعضاؤه نواب وطن، لا نواب خدمات، ولا نواب مناطق ، ولا نواب قبيلة أو عشيرة أو طائفة.
الأردنيون أمام امتحان لاستعادة ثقة المواطن في العملية الديمقراطية برمتها.. بقدر ما نحن أمام امتحان مماثل في انتخاباتنا البرلمانية المقبلة وهذا قاسم مشترك آخر . وفي الحاليتين يبقى الأمر بالنسبة لنا يستحق التفكير والتأمل والتقييم والمراجعة والتنبه ، وبالنهاية استخلصوا من المقارنة ما شئتم لإتخاذ ما يلزم .. !!
الأيام 12 ديسمبر 2009