في الذكرى السنوية الثالثة والثلاثين لاستشهاد المناضلين محمد غلوم وسعيد العويناتي، نستذكر في وعد والتقدمي بكل الفخر والإجلال تلك التضحيات الجسام التي قدمها الشهيدين و قدمتها قوافل الشهداء والمعتقلين والمنفيين والمتضررين من أبناء شعب البحرين، جراء السياسات القمعية التي تميزت بها حقبة امن الدولة وما يسبقها وما تلاها من ممارسات قمعية وبوليسية، حيث الانتهاكات الصارخة والقمع لأبسط قيم العدالة، والتي مورست بحق أبناء وبنات شعب البحرين عبر عقود طويلة ومظلمة.
مداخلة المنبر التقدمي
في الذكرى الثالثة والثلاثين
لاستشهاد الرفيقين محمد غلوم وسعيد العويناتي
مقر جمعية وعد 9 ديسمبر 2009
المحامي / حسن إسماعيل
في الذكرى السنوية الثالثة والثلاثين لاستشهاد المناضلين محمد غلوم وسعيد العويناتي، نستذكر في وعد والتقدمي بكل الفخر والإجلال تلك التضحيات الجسام التي قدمها الشهيدين و قدمتها قوافل الشهداء والمعتقلين والمنفيين والمتضررين من أبناء شعب البحرين، جراء السياسات القمعية التي تميزت بها حقبة امن الدولة وما يسبقها وما تلاها من ممارسات قمعية وبوليسية، حيث الانتهاكات الصارخة والقمع لأبسط قيم العدالة، والتي مورست بحق أبناء وبنات شعب البحرين عبر عقود طويلة ومظلمة.
وبهذه المناسبة ينبغي أن نؤكد على المسائل التالية :
أولا : علينا أن نتفق على أن مبادئ ميثاق العمل الوطني والتصويت عليه من قبل شعب البحرين شكل الأساس لما سمي بالمصالحة بين الحكم والمعارضة في البحرين بعد صراع دامي طويل حدث قبل الاستقلال وبعده ، خلال هذا الصراع طالبت المعارضة بالعدالة الاجتماعية ، وبضرورة وجود تحول ديمقراطي حقيقي في البحرين ينقلها من حال إلى حال ، تتعزز فيه الحقوق والحريات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ،.وقد تم بموجب هذه المصالحة أن تنازلت الدولة عن ممارستها الأمنية فأطلقت سراح المعتقلين السياسيين من السجون ووافقت على عودة المنفيين ، وفسحت المجال نسبيا لحرية التعبير وتأسيس الأطر السياسية تحت مسمى الجمعيات السياسية ، في مقابل ذلك وافقت قوى المعارضة على أن تعبر عن حقوقها بالوسائل السلمية وقبول إقامة مملكة دستورية على غرار الممالك الدستورية ذات النظام الديمقراطي وقبول الدولة والتعايش معها .
وقد أكدت القوى السياسية في البحرين ومؤسسات المجتمع المدني على أن إقامة مثل هذا النظام السياسي الديمقراطي بالمواصفات التي يتحدث عنها ميثاق العمل الوطني كان يتطلب وبمسئولية مشتركة بين الدولة والمجتمع تعزيز أسس العدالة الاجتماعية توسيع المشاركة الشعبية ، احترام حقوق الإنسان ، وما يتطلب ذلك من إزالة ارث القوانين والتشريعات الثقيل الذي ورثناه من الحقبة السابقة ، ووضع تشريعات وقوانين جديدة تساعد على تطور المجتمع نحو الديمقراطية المنشودة تمكنه من خلق مؤسسات المجتمع المدني المختلفة التي تتلاءم والنظام الديمقراطي .
كما تم التأكيد على انه لتعزيز التحول الديمقراطي في البحرين لابد من معالجة ملف الشهداء وضحايا التعذيب على أسس عادلة ومنصفة ، وقد عقدت لهذا الغرض العديد من الفعاليات وتشكلت اللجان وتم رصد الحالات وتم وضع الأسس التي بموجبها معالجة هذا الملف وقدمت العرائض بشأنه ، وتم نقله للمحافل والمؤتمرات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ، غير الجانب الرسمي الدولة ظلت وما زالت تتجاهل جميع الدعوات الخيرة من أجل معالجة ملف الشهداء وضحايا التعذيب شأنه شأن جميع الملفات العالقة الأخرى .
ثانيا : يعد المرسوم بقانون العفو الشامل رقم 10 الصادر بتاريخ 5 فبراير 2001 من أهم الأدوات التي أصدرها جلالة الملك لحظة تدشين المسيرة الإصلاحية ومن أهم الخطوات لتحقيق المصالحة الوطنية نحو تحقيق الوئام والاستقرار الاجتماعي والسياسي في البحرين ، إذ ترتب على هذا العفو إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين .
غير أن إصدار المرسوم بقانون رقم 56 لتفسير مرسوم العفو الشامل في 23 أكتوبر 2002 على انه لا يشمل عفوا عن الضحايا فقط بل يشمل أيضا عفوا عن أولئك اللذين ما رسوا التعذيب وقتلوا الضحايا قد شكل صدمة كبيرة لعدد غفير من أولئك الذين ناضلوا من أجل العدالة أولئك اللذين فقدوا عائلهم شهيدا في تظاهرة أو في السجن إذ وجد هؤلاء في أحكام هذا المرسوم حماية للجلاد فيما ارتكبه من تعذيب خلال حقبة أمن الدولة ، فنال وما يزال من المسيرة الإصلاحية ومن تحقيق المصالحة الوطنية المنشودة ، وقد كشف الواقع منذ تاريخ صدور هذا المرسوم أن الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البحرين الذي كان ينشده مرسوم العفو الشامل لم يتحقق ولن يتحقق دون حل عادل ومنصف يشمل جميع الشهداء وضحايا التعذيب وفي إطار وطني . ودون التقيد بأحكام المرسوم 56 لأنها تخالف أحكام الدستور والمواثيق والاتفاقات الدولية و تعتدي عليها ، وقد تناولنا في أكثر من لقاء ومناسبة أوجه هذه المخالفة في دراسة تقدم بها المنبر التقدمي بعنوان (ما مدى دستورية المرسوم بقانون 56 )، ولنا أن نشير هنا للدليل على أن المرسوم بقانون لا يمكن الركون اليه في المصالحة بما جاء في اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1984 وانضمت إليها البحرين سنة 1998 فصارت جزءاً من التشريع الوطني لمملكة البحرين ، إذ تؤكد هذه الاتفاقية على :
1- حق كل من تعرض للتعذيب في أن يرفع شكوى إلى السلطة المختصة في المادة 13على انه
( تضمن كل دولة طرف لأي فرد يدعى بأنه قد تعرض للتعذيب في إقليم يخضع لولايتها القضائية ،
الحق في أن يرفع شكوى إلى سلطاتها المختصة وأن تنظر هذه السلطات في حالته على وجه
السرعة وبنزاهة …. ) . والمرسوم بقانون 56 لا يضمن هذا الحق بل يعتدي عليه .
2- إنصاف من يتعرض للتعذيب بتعويض عادل وإعادة تأهيل في المادة 14 البند أ على إنه تضمن
كل دولة طرف في نظامها القانوني ، إنصاف من يتعرض لعمل من أعمال التعذيب وتمتعه بحق
قابل للتنفيذ في تعويض عادل ومناسب بما في ذلك وسائل إعادة تأهيله على أكمل وجه …. ) .
والمرسوم بقانون 56 يتجاهل مثل هذا الحق .
ثالثا : في الوقت الذي تسعي فيه القوى السياسية ومؤسسات حقوق الإنسان المدنية لمعالجة هذا الملف ، يستمر فيه الاعتقالات ويمارس التعذيب بكافة أشكاله البشعة وانتهاك الحريات العامة في عهد الإصلاح وتتمادى الدولة في إنكار وجوده وتتباهى بذلك أمام محافل حقوق الإنسان الدولية ففي تقريرها الرسمي الأول بشأن المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان في البحرين والمقدم لمجلس حقوق الإنسان التابع إلى هيئة الأمم المتحدة في 25 فبراير 2008 تجاهلت الدولة ما أحدثه المرسوم بقانون 56 من شرخ في المشروع الإصلاحي ومن مفهوم العفو الشامل وتمييز ضد ضحايا الحقبة الماضية كما يتجاهل إعادة استخدام وسائل التعذيب ولا يعترف باستمراره في البحرين ، الذي كشفت عنه أحداث ديسمبر 2007، وقد سجل المتهمون في الجلسة الثانية أمام المحكمة الكبرى الجزائية كيف استخدمت أجهزة الأمن مختلف وسائل التعذيب ضدهم بما فيها الاعتداء الجنسي أو التهديد به لحملهم على الاعتراف ولا ينال من صحة ما أفاد به المتهمون أمام المحكمة من تعرضهم للتعذيب ما ورد في التقرير الرسمي من قول بأن ( المسؤولين بوزارة الداخلية أكدوا أن الموقوفين أحيلوا للطب الشرعي الذي اثبت عدم تعرض أي منهم للتعذيب وأن الإجراءات الخاصة بهم تمت في إطار القانون )
كما يمكن أن نلاحظ في أن التقرير الرسمي ، على الرغم من أهمية مناقشة ظاهرة التعذيب باعتبارها ظاهرة تنال من السلامة البدنية والمعنوية للإنسان ، فإنه يتجاهل وضع الحلول والوسائل اللازمة للخروج منها ويتجاهل ما كانت تطالب به القوى السياسية والحقوقية في البحرين والهيئات الدولية من ضرورة إنصاف الضحايا وأسر الشهداء وإلغاء المرسوم بقانون رقم 56 ، مكتفيا فقط بالإشارة إلى ما قامت به بعض المنظمات الدولية من امتداح البحرين للإجراءات التي اتخذتها مثل إلغاء قانون أمن الدولة ومحكمة الدولة، كما امتدحت سحب تحفظ البحرين على المادة 20 من الاتفاقية ، وهو امتداح في محله ، غير أن ذلك لا يكفي ، ولا يكفيه ما أشار إليه التقرير الرسمي من أن مملكة البحرين رحبت بزيارة المقرر الخاص بمكافحة التعذيب التابع للمجلس. وإنها تطلب من المفوضية السامية للأمم المتحدة المعاونة في ما تسعى له البحرين في تطوير وتدعيم المناهج التعليمية والدورات التدريبية ذات الصلة بحقوق الإنسان ، بل على مملكة البحرين أن تستجيب لما تطلبه منها المفوضية السامية للأمم المتحدة .
ولا يشفع لمملكة البحرين ما جاء في تقريرها في بند وسائل الانتصاف الفعالة من قول ( بأن النظام القانوني في البحرين على النحو السابق إليه يتضمن سبل الانتصاف القضائية والإدارية وغيرها، ومع ذلك هناك حاجة لزيادة الوعي بوجود هذه السبل وآليات استخدامها ) فهذا القول فضلا عن عموميته ويهدف للهروب من معالجة المشكلة فأن النظام القانوني وسبل الانتصاف القضائية والإدارية لا تحتاج إلى تذكير ولا يحتاج لزيادة الوعي بها ، بل تحتاج إلى احترامها وتفعيلها في الممارسة العملية .
غير أن حكم المحكمة الكبرى الجزائية الصادر فيما عرف بقضية قتل الشرطة في كرزكان شكل صفعة لما جاء في هذا التقرير وكشف عن عدم مصداقية ما ورد به إذ جاء في أسباب الحكم ما يلي (
وكانت المحكمة ترى ان تقريرات المتهمين بجميع محاضر جمع الاستدلالات واعترافاتهم امام النيابة العامة قد صدرت تحت شبه الاكراه وقد عدلوا عنها في اول جلسات المحاكمة وانكروا ما نسب اليهم ودفعوا بتعرضهم للاكراه البدني والتهديد من قبل التحقيقات الجنائية بايذائهم في حالة عدم الاعتراف امام النيابة العامة وقد ثبت للمحكمة من تقرير اللجنة الطبية التي ندبت بقرير الكشف الطبي على المتهمين ان بهم بعض الاثار لسحجات على الرسغين وقد ذهب المتهمين على ان تلك الاثار ناتجة عن تعليقهم بالسقف، هذا فضلا عما اثبت بتقرير تلك اللجنة لوجود اثار لكدمات وندبات اسفل الظهر للمتهم السابع ومن ثم فان المحكمة لا تطمئن الى ان هذه الاعترافات المنسوب صدورها الى المتهمين قد صدرت عنهم طواعيه واختيار ويتعين عليها اهدارها جمعيا بما فيها الاعترافات التي صدرت عنهم بالمعاينة التصويرية والتي اجريت لهم بمعرفة النيابة العامة )
رابعا : في ظل هذا الوضع المرتبك والمعقد وفي ظل صمت وعدم تجاوب الدولة يحق لنا ولغيرنا من الضحايا واسر الشهداء أن نتساءل ما هو الحل كيف السبيل لمعالجة هذا الملف ؟
نسارع إلى القول أن معالجة الملفات العالقة والتي تلامس هموم وقضايا المواطنين بما فيها ملف ضحايا التعذيب والشهداء لن تتأتى دون قوة مجتمعية ضاغطة أي رأي عام شعبي ضاغط وان هذه القوة المجتمعية لن تكون فاعلة مؤثرة بدون وحدة وتوافق القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والكتل البرلمانية على اختلاف مشاربها وتوجهاتها ، وأدراك هذه القوى أهمية وضرورة الحل بطريقة عادلة ومنصفة وان تكون الدولة طرفا فيه .
ولعل وجود التحالف البحريني من أجل الحقيقة والإنصاف والمصالحة من 11 مؤسسة أهلية هو خطوة هامة وضرورية في هذا الاتجاه ، غير أن تحرك هذا التحالف يتعين لا يكون موسميا يقتصر على المناسبات المتعلقة بالضحايا كما هو الحال في اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا التعذيب والذي يصاف 26 يونيو من كل عام .
وفي هذا الإطار فأن المنبر التقدمي يدعم ويساند عزم التحالف الإعلان عن تشكيل هيئة أهلية للحقيقة تكون من مهامها توثيق الانتهاكات والعمل على نشر الحقيقة في سبيل المزيد من العطاء نحو الوصول لإعطاء هذا الملف الكبير حقه وأهميته، وهي خطوة هامة للغاية ووسيلة لعلها تجعل الدولة تستجيب لإنشاء هيئة وطنية للحقيقة والإنصاف والمصالحة.
وإذا كنا ثمن صدور المرسوم الملكي بإنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان ونظامها الأساسي فأننا نتطلع أن يكون رئيسها وأعضاءها من شخصيات نزيهة لها علاقة بحقوق الإنسان و تاريخ حقوقي ووطني، ولا يمنع أن يكونوا من المناضلين الذين ذاقوا عذابات السجون والتعذيب والمنفى، كما حدث في المغرب إذ تولى رئاسة هيئة الإنصاف والعدالة أقدم المعتقلين السياسيين كما نتطلع إن تكون أولى خطوات هذه المؤسسة إنشاء هيئة وطنية للحقيقة والإنصاف والمصالحة.
محكمون نحن بالأمل ، وان هذا الملف لن يطويه الزمن وان التعذيب والقتل وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها ضباط وموظفو جهاز أمن الدولة ووزارة الداخلية لا يمكن أن تسقط بالتقادم مع الزمن حسب المواد 13 و 14 من اتفاقية مناهضة التعذيب التي صدقت عليها البحرين في العام 1998، ولا يمكن أن تمحى آثارها الوخيمة دون علاج حقيقي ودونما جبر للضرر. وان الحقيقية لا يمكن حجبها مهما علا صوت الجنود ، ولنا فيما قاله الشهيد سعيد العويناتي رفيق الشهيد محمد غلوم في الفكر وفي النضال ما يقوى من عزيمتنا يقول الشاعر الشهيد في قصيدته التفتيش :
في تمام العاشرة
دخل الجندُ الحديقة
فتشوا عن بقعةَ الضوء
ولكن الحقيقة
وقفت متحدة
وقفت كل أزاهير الحديقة