المنشور

مسألة مسار

طُرح في الآونة الأخيرة بعضُ الأفكار التي تعيدُنا للعقد الأخير من القرن العشرين، وإلى تصوير لتلك الفترة بما ليس فيها، وإضفاء بطولات زائفة عليها، وليتم التأكيد بأن الوعيين (اليساري) الانتهازي – والديني المحافظ اليميني لم يتغيرا، ولم يستفيدا من كم الخبرات المتراكمة خلال العقدين الأخيرين.
هناك عجزٌ وطني شبه كامل عن تحليلِ تلك الفترة، وهذا العجز الواسع النطاق سواءً من قبل أجهزة الحكم، أم من قبل المعارضة المذهبية اليمينية واليسارية الانتهازية الملتحقة بها مثل الأطرش في الزفة، ناتجٌ عن الخوفِ من تحليل الأحداث وتحمل المسئولية فيها.
كلُ هذه الأطراف ترفضُ تحمل المسئولية عما نتج فيها من خراب ومن تعرض الناس للموت والخسائر الجسيمة. وكلٌ منها يدعي الصواب والانتصار، لكنهم جميعاً يخافون من ظهورِ أشباح تلك المرحلة وتحولها إلى حقائق وشهودٍ ومستندات وخسائر وقتلى!
ولكن رغم هذا الجبن السياسي فبعضها يتنطعُ كذلك بإدعاءِ البطولات والخوارق! ولا يملكُ شيئاً من الصدق للسكوت على ما قام به، أو إنه مخبولٌ لا يدري بما حدث!
ومثل هؤلاء يريدون قيادتنا لعصر الثورة العلمية وغزو الفضاء والديمقراطية!
المعارضةُ المذهبيةُ اليمينية متخبطةٌ لا تعرفُ كيف ظهرتْ؟ وكيف تشكلت؟ ولماذا كانت صدى لأحداث إيران؟ ولماذا هي تتصدعُ لما يجري من تصدعٍ في إيران، ولا تدري ما هو مستقبلها حين تزولُ دولةُ ولاية الفقيه؟ ما هو تأثير الفسيفساء السياسية الناتجة بعد انهيار ولاية الفقيه على البلدان المختلفة؟ وعلى الحركات السياسية؟ وكم من الفوضى سوف تحدِثُ؟ وكم من الانتهازيين سوف يُنتجُ هذا الانهيار؟ هل سيكون هؤلاء الأصدقاء مستمرين؟ ألن ينقلبوا كما أنقلب آخرون؟
حين يحدث الانهيار الإيراني المغير للشمولية الراهنة لن تكون لكم قيمة، مثلما أن الانهيار السوفيتي جعل بعض المناضلين تجار كلمات!
وكم أنتج الانهيارُ السوفيتي من انتهازيين في الحركات السياسية المناضلة؟ وقبله الانهيار العراقي البعثي وقبله الناصري، خذوا الدروس من السابقين!
هناك أناسٌ لا دين لهم ولا مبدأ غير مصالحهم الشخصية، وكما تألمنا نحن من بيع أصدقائنا للمبادئ، فسوف تتألمون أنتم كثيراً في المرحلة القادمة، ومن قام بجريمةٍ وضرر للناس فليعترف ويتبرأ مما فعله ينقذُ نفسَه وهنا تغدو الكلمات ثمينة، فلابد من أن نحاكم نحن أنفسنا، قبل أن نُحاكم من قبل الآخرين، إذا كانت لنا ذرة ضمير!
انظرو إلى المستقبل قليلاً، وضعوا تلك البطولات بين قوسين، هما قوسا البحث الموضوعي والأمانة التاريخية والإسلامية. لا تصيروا ملحدين على الطريقة الستالينية، بل اعتبروا القيامة واليوم الآخر ضميراً حياً في الحياة الدنيا قبل ذلك!
هل الموقف هو فقط مصلحة وفائدة؟
مركزيات الفوضى والمراهقة تتلاقى، وقد طالَ الأمدُ بها من دون أن تتعلم شيئاً، و(العقل) فيها عاطلٌ عن العمل، لأنها لا تقوم على حكمِ الشعب الواحد، وصوته وقانونه، بل على انفعالات الطوائف، وانفعالات الطوائف مهما كانت حدتها ومبرراتها فهي خارج القانون، والدين، والضمير! وسواء أكان ذلك لدى سنة أم شيعة أم زيدية، فالقضية واحدة!
وحتى حين كان الشعبُ موحداً وكان الفوضويون يخرجون عن نضالهِ كان الناس تعترف بالخطأ وترفض الجريمة مثلما ترفض جرائم القمع سواءً بسواء!
سوف يتكاثر الانتهازيون في المرحلة القادمة حتى يصير الواحد منهم مثل سمك الشعري الربعة بثمان على حسب الأسعار القديمة، وقد رأيتم ثمن المرحلة ولم تظهر بكلِ بعدها، لأنكم تصمتون عن تحليل التاريخ، وعن النقد، وعن المحاسبة الضرورية للنفس، قبل الخصم، ولهذا سوف تضيعُ المقاييسُ، ويزولُ ميزانُ الحقِ من الباطل، ويظهرُ الخوارجُ مع أصحابِ الإيمان، وتُزيفُ الأوراقُ وتُدلسُ القضايا، ويَضيعُ الفقهُ في حشو السياسة ومع سدنةِ الانتهازية وبيع الذمم، ولهذا يتنطع الآن الذين باعوا أنفسهم وقبضوا أثمان تلاعبهم بالناس والحرمات مدعين الفضيلة والنضال!
فلا تضيعوا الحقيقة كما ضيعتم السياسة!
 
صحيفة اخبار الخليج
7 ديسمبر 2009