المنشور

على صلة بيوم المرأة البحرينية -3

وفرت الخدمات الاجتماعية التي قدمتها الدولة في مجالات التعليم والصحة وسواها قاعدة جدية لزيادة وعي المرأة وانخراطها في الأنشطة المختلفة وفي سوق العمل أيضاً. لم يكن الحديث عن المرأة والسياسة ممكناً بهذه الحيوية لولا أن المرأة تعلمت وخرجت لسوق العمل، ومن ثم وجدت المناخ الملائم أو الباعث على انشغالها بالسياسة أو اهتمامها بها. لو نظرنا للموضوع من منظور التسلسل التاريخي، سنجد أن موقف الدولة تجاه المشاركة السياسية للمرأة لم يكن دائماً بذات الايجابية التي كان عليها تجاه تعليم المرأة وانخراطها في العمل. لقد ظهر ذلك جلياً في مرسوم انتخابات المجلس التأسيسي الذي ناقش مسودة الدستور، الذي ارتأى حصر المشاركة في اختيار الأعضاء المنتخبين لهذا المجلس من الرجال وحدهم، رغم أن مطالبة نسائية نشأت في حينه تطالب بإعطاء المرأة هذا الحق. كان رأي الدولة يومها أن المرأة ليست جاهزة بعد أو مهيأة لنيل هذا الحق أو ممارسته. وقد تكرر الأمر نفسه في مرسوم انتخابات المجلس الوطني في السبعينات حين جرى المشرع البحريني على ما كان نظيره الكويتي قد سبقه إليه من حصر حق الترشيح والانتخاب في الرجال وحدهم. الانعطافة الكبرى في هذا المجال تحققت بالنص الواضح في ميثاق العمل الوطني على ضمان حقوق الترشيح والانتخاب في المجلس الوطني للنساء جنباً إلى جنب مع الرجال، كانت هذه الخطوة واحدة من أهم الانجازات التي جاب بها مشروع جلالة الملك الإصلاحي. وفي خطوة جعلت القاعدة الانتخابية في البحرين أكبر قاعدة انتخابية بين دول المنطقة، بما في ذلك الدول التي سبقتنا في مجال المشاركة السياسية مثل دولة الكويت الشقيقة التي لم تحسم المشاركة السياسية للمرأة إلا في وقتٍ لاحق لإقراره وممارسته في البحرين بسنوات. ولا يقل أهمية في هذا السياق التطور الإيجابي في موقف التيارات الإسلامية على تلاوينها المختلفة من مسألة مشاركة المرأة السياسية، ليس فقط على صعيد الموقف وإنما على صعيد الممارسة والتي تجلت في عملية التصويت على ميثاق العمل الوطني. والحق ان موقف التيار الإسلامي من مسألة المشاركة السياسية للمرأة، خضع هو الآخر للتدرج، من الرفض القاطع الذي تجلى في السبعينات، إبان مناقشة مسودة الدستور في المجلس التأسيسي حين أصر ممثلو هذا التيار على حصر تعريف كلمة مواطن بالرجل وحده، والضغط على الدولة كي لا تسمح بأي تأويل يمكن المرأة في مثل هذه المشاركة، وانتهاء بالموقف الايجابي الذي بلغته التيارات الإسلامية شتى في البلاد من هذا الموضوع. ولنا أن ندرك أهمية ذلك ونقدره حين نتابع المناقشات التي دارت في مجلس الأمة الكويتي حول المشاركة السياسية للمرأة، والمعارضة الشديدة التي تبديها غالبية تلاوين التيار الإسلامي هناك. ولن أتوقف طويلاً أمام موقف التيار الوطني الديمقراطي من المشاركة السياسية للمرأة، لأنه في الأصل كان إلى جانب هذا الحق، بل أنه وضعه ضمن أولويات برنامجه السياسي. وكان الموقف من هذه المسألة يشكل، ولا يزال بالطبع، مفصلاً من مفاصل رؤية التحديث التي يتبناها هذا التيار، وأشرنا في بداية الحديث إلى مظاهر المشاركة المختلفة للمرأة في أنشطة الهيئات والجمعيات المهنية والنقابية والجماهيرية التي نشط فيها هذا التيار. للحديث تتمة.
 
صحيفة الايام
5 ديسمبر 2009