جميل أن يكون للمرأة البحرينية يوم نحتفي بها فيه، ونجعل منه مناسبة لتسليط الضوء على قضاياها المختلفة، من أوجه شتى: معيشياً واجتماعياً وسياسياً أيضاً، طالما نحن نعيش حالاً من الحراك السياسي الذي تتصدر فيه قضية الشراكة السياسية والمجتمعية، وللمرأة في هذه القضية نصيب كبير، لذا استحق المجلس الأعلى للمرأة التحية والتقدير للتفاتته هذه. وقضية المرأة، لا في البحرين وحدها، وإنما في كل العالم النامي هي على مقدار كبير من التشعب والتعقيد بحيث يصعب الإحاطة بتفاصيل هذه القضية في أنشطة يوم واحد، لكنا حسبنا أن نجعل من هذا اليوم محطة مراجعة دورية لما أنجزه المجتمع على طريق تلبية حقوق المرأة، وما يتعين على النساء أنفسهن أن يبذلنه من جهد في هذا السياق. ورغم أنه لا يجوز الحديث عن تاريخين منفصلين ، واحد خاص بالنساء وآخر خاص بالرجال، لأن التاريخ في نهاية المطاف هو تاريخ واحد وللبشر جميعاً بصرف النظر عن جنسهم، ولكن ثمة خصوصية كبيرة في قضية المرأة هي نتاج قرون من النظرة المتخلفة التي كرسها المجتمع نحو المرأة. وهذه الخصوصية هي بالذات ما يضفي صفة التشعب والتعقيد على قضية المرأة حين الرغبة في فحصها وتحليلها. ففي كل الأحوال لن يكون متيسراً النظر إلى هذا الموضوع ونحن في منجاة من تلك الظلال التي تفرضها الخصوصية المعطاة لقضية المرأة، دون النجاة من شرك التعقيد التي هي عليه، وهما خصوصية وتعقيد استدعيا مئات وربما آلاف الكتب التي تتحدث عن المرأة من الأوجه المختلفة، منذ أن أصبح المجتمع العربي معنياً بسؤال النهضة منذ نحو قرن أو أكثر. وحين طرحت أسئلة النهضة، كان الجزء المتصل بالمرأة أحدها. حتى أنه لن يتأتى الحديث عن المشروع النهضوي العربي، وعن ديناميكية التحديث التي شقت لنفسها طريقاً في المجتمعات العربية والإسلامية دون الوقوف على حجم ذلك التغير الذي أصاب مكانة المرأة ودورها، ووعيها، وعيها بنفسها كقضية ووعيها بالشأن الاجتماعي – السياسي العام. ولست هنا بصدد الوقوف مطولاً أمام الكتاب الذي أطلق الشرارة الأولى في الموضوع النسوي، أعنى به كتاب قاسم أمين “تحرير المرأة” الذي كان قد صدر عام 1899، في خواتم القرن التاسع عشر يوم كانت مصر خاضعة لنير الاحتلال البريطاني، لكن يتعين القول أن أهم ما في هذا الكتاب هي الروح التي أطلقها، المناخ الذي أشاعته، وليس سقف المطالب أو الأهداف التي رسمها للمرأة، فهو على سبيل المثال اكتفى بالمطالبة بحق التعليم الابتدائي للبنات ولم يقترح إلا على النساء الفقيرات ومن لا عائل من الرجال لهن إكمال تعليمهن أو العمل وذلك حتى لا يلجأن إلى الأعمال غير اللائقة حسب قوله. وهذا سقف تجاوزته فيما بعد رائدات الحركة النسوية بين بواكير القرن العشرين ومنتصفه من أمثال هدى شعراوي وسيزا نبراوي وبعدهما بفترة درية شفيق وأخريات، بل أن نساء اليوم، بما في ذلك اللواتي يرتدين الحجاب، أكثر راديكالية من قاسم أمين فيما يخص مواضيع التعليم والعمل، والمشاركة في بعض مناحي المـجـال العام مثل السياسة. للحديث تتمة غداً.
صحيفة الايام
2 ديسمبر 2009