البروفة في المسرح أو في الغناء أو في الحفلات هي تدريب على أداء الدور أو إنشاد الأغنية أو عزف الآلات الموسيقية، هي في أمر ما تشبه التدريبات التي يجريها الرياضيون لفترات تطول أو تقصر قبل المباريات. يذهب الممثلون إلى المسرح، إلى مقابلة الجمهور، في الوقت الذي يفترض فيه أن يكونوا قد أتقنوا الدور أو الأدوار التي سيؤدنها على الخشبة، في الوقت الذي يبدو فيه أن الممثل قد تمكن من تقمص الشخصية التي سيؤدي دورها على المسرح. فكرة البروفة هدفها في الأصل هو التجويد أو الاتقان، كلما كان وقت البروفات طويلاً وكافياً جاء الأداء أمام الجمهور أكثر اتقاناً.. ولكن هذه الفكرة بالذات تثير مسألة أخرى حول مدى تلقائية أو عفوية الأداء الذي نشاهده، الذي جرى التدخل فيه عدة مرات، وجرى تعديله عدة مرات لولا إدراكنا أن عفوية الممثل وتلقائيته إنما تبرزان أكثر من خلال جودة أدائه واتقانه، لأن الجمهور حين يذهب المسرح لا يرمي إلى رؤية الشخصية التي يؤديها الممثل والتي قد يكون عرفها من خلال قراءته للنص المسرحي أو من كتب التاريخ، وإنما لرؤية الممثل المعني وهو يؤدي هذه الشخصية. لكن هل البروفات موجودة في المسرح وحده؟! الأرجح ان في الحياة سلسلة من البروفات اليومية التي نقوم بها، سواء كانت باعث ذلك ذهنياً أو لا واع، من أجل اتقان أدوارنا في الحياة، وهذا الموضوع من الاتساع بحيث يشمل سلسلة من التدريبات والدورات التأهيلية والحصص الدراسية التي لو تأملنا في جوهرها لما وجدناها بعيدة عن فكرة البروفة المسرحية أو الغنائية، نحن نتدرب لكي يكون أداؤنا أفضل في وظائفنا ومهامنا في الحياة. أبعد من ذلك، نظن أن الحياة ما هي إلا مجموعة من البروفات. التجارب السابقة هي بروفات للتجارب اللاحقة، لأن الإنسان النابه لا يمكن أن يكرر الأخطاء ذاتها التي ارتكبها في تجارب اجتازها في أعماله وتجاربه الجديدة. حقاً إنه يمكن أن يقع في أخطاء أخرى، ولكن يفترض أن تكون جديدة غير تلك التي سبق له أن دفع ثمنها. والقول إن الحياة هي مجموعة متتابعة من البروفات لا يراد منه تسفيه هذه الحياة ومغزاها، بالعكس تماماً فإن المراد القول إن الحياة ما هي إلا سلسلة من التجارب ومن الدروس التي تتراكم طبقات فوق طبقات لتشكل في المحصلة النهائية خلاصة الإنسان وخبراته. وكما يتألق الممثل المبدع على خشبة المسرح في ليلة العرض بعد بروفات صعبة قاسية، يطل على الإنسان الناجح أو المحظوظ بعد طول بروفات في الحياة ما يوازي العرض في صورته الأخيرة المتقنة، حين تأخذه الأقدار التي صنعتها تجارب الحياة إلى تلك اللحظة التي انتظرها.
صحيفة الايام
30 نوفمبر 2009