أمر مهم أن يلتفت المجتمع إلى قضاياه الكبرى الحيوية التي تحتاج إلى حل، كقضايا البطالة والتجنيس والفساد المالي والإداري وطرق التصرف بالمال العام، ولكن ليس أقل أهمية من ذلك إدراك أن الهدف من هذا الالتفات لهذه القضايا وإثارتها ليس دفع الأمور نحو المواجهة، بقدر ما هدفه إبراز حاجة المجتمع لحل هذه القضايا أو حلحلتها على الأقل وصولاً لإيجاد مخارج لها، تؤمن للبلاد مقداراً أكبر من الاستقرار وللناس مقداراً أكبر من الطمأنينة إلى المستقبل والثقة في آفاق عملية الإصلاح السياسي المنشود. أي أن الهدف من إثارة هذه القضايا وطرحها للنقاش، يجب أن يكون موجهاً نحو البحث عن حلول لها، والتخفيف من حدتها وانعكاساتها المباشرة على حياة المواطن البسيط الذي يطمح لحياة كريمة. وتحسن الجمعيات السياسية صنعاً إذا ما أكدت على مثل هذا الطرح، وأبرزت حرصها ليس فقط على تقديم البيانات والمعطيات التي تظهر حجم هذه القضايا، وإنما أيضاً عبر اقتراح الحلول والمخارج الواقعية لهذه الملفات المتأزمة. حين نطالب السلطتين التنفيذية والتشريعية بالتوجه الجدي لحل القضايا غير المحلولة، فليس الهدف من ذلك إعلان أننا في مبارزة معهما لإبراز عجزهما عن تقديم الحلول لهذه القضايا، وإنما إبراز أن الرأي العام يطالبهما بالتصدي لهذه القضايا، باعتبار أن تلك هي مسئوليتهما المباشرة، لأنه ليس من شأن المجتمع المدني، مهما كانت قوته أو درجة وعليه أو تنظيمه أن يحل قضايا إشكالية ذات طبيعة اجتماعية واسعة كتلك التي أشرنا إليها، وليست تلك هي مهمته على كل حال. هدف قوى المجتمع المدني أن تشكل قوة ضاغطة باتجاه البحث عن حلول لتلك القضايا، والتي لن يؤدي التلكؤ في مقاربتها بجدية في اتجاه حلها إلا إلى تفاقمها، وبالتالي زيادة صعوبة حلها فيما بعد، فضلاً عن التداعيات الاجتماعية والسياسية السلبية التي سوف تترتب عليها، ولو أخذنا ملف أي ملف إشكالي من تلك الملفات التي تجابه البلاد اليوم، فإن من الصواب أن توظف الجمعيات السياسية وقوى المجتمع المدني والشخصيات الوطنية المخلصة ما لديها من وقائع ومعطيات وما تمتلكه من خبرات وكوادر في اتجاه اقتراح الحلول والمخارج لها، لنظهر في صورة القوى التي لا تكتفي فقط بالنقد والرفض، وإنما في صورة القوى التي تمتلك البديل الأفضل القادر على إقناع الناس بأهليتنا كقوى سياسية حية ومستقبلية. نحن نقر على سبيل المثال بضعف أداء مجلس النواب وقلة النواب المؤهلين فيه الذين يتوفرون على كفاءات في المجالات التشريعية والاقتصادية والتنموية وما إليها، ونقر كذلك بالقيود الكثيرة المفروضة من لائحته الداخلية ذاتها، لكن هذا الإقرار ليس مبررا للاكتفاء بالقول أن المجلس عاجز عن إيجاد الحلول، وبالتالي إهمال وسائل الضغط المختلفة التي تحقق الرغبة الحقيقية للناس ولقوى المجتمع المدني التي يمكن ان تضع هذا المجلس أمام المسؤوليات المطلوبة من أعضائه. والأمر يصح بمقدار أكبر على الدولة التي يطالبها المجتمع المدني بمسئولية التعاون في حل هذه الملفات لأن أبعادها الاجتماعية والمعيشية المعقدة تُشكل عقبات جدية في وجه عملية التنمية، ويشكل الاستعداد لحلهــــا معيـــاراً أساسيـــاً، لا بــل المعيار الأساسي، للرغبة في بلوغ عملية الإصلاح أهدافها المنشودة.
صحيفة الايام
25 نوفمبر 2009