المنشور

مخاطرُ الصراعات العسكرية في الخليج والجزيرة

تتصاعد عملياتُ التوتر والصراعات العسكرية بقوة غير عفوية، وهي تمثلُ مواجهةً كبرى بين دول الغرب والدول العربية من جهة، وبين محور إيران – القاعدة من جهةٍ أخرى.
ليست كلُ الدولِ العربية مُنضمةً إلى هذا المحور الغربي، لكنها الدول الكبيرة المؤثرة، فحكومة سوريا في الآونة الأخيرة تحاول أن تأخذ موقعاً وسطاً.
ما يجري في إفغانستان أو باكستان أو اليمن أو الصومال أو لبنان(سابقاً) يعتبرُ حروباً موجهةً ضد (مصالح الغرب) وأعوانه!
وقد وجد الحرسُ الثوري في إيران نفسه في معركة وجودية مصيرية(أكونُ أو لا أكون)، وأدتْ تطوراتُ نموهِ العسكري وصعوده السياسي، إلى بنائهِ قوةً ضاربة جرّتْ قسماً بشرياً مهماً في إيران إلى التعبئة لأوامره المباشرة، وقد تشكلتْ معه قوى دينية اجتماعية كبيرة خلال التحولات السياسية ونشوء الرأسمالية الحكومية ذات الوجهين القومي الفارسي والمذهبي الإثناعشري.
وقوته الاقتصادية انغرزت في المؤسسات العسكرية والتقنيات العسكرية، أما الاقتصاد المدني فهو لم يتجذر فيه. فلم تعدْ لديه خياراتٌ سياسيةٌ كبيرة وهو نتيجةُ فيضانٍ عسكري إيراني داخلي، لكن هذا الفيضان لم يعدْ مطلوباً لدى الجمهور الإيراني الذي كرسَ جمهوريتهُ ولم يعدْ أحدٌ يهددها حقيقة، مثلما كان الأمرُ أثناء اقتحام نظام العراق السابق، والتي وصلت فيها التوظيفاتُ العسكريةُ إلى التهام الميزانيات الوطنية.
وكان نشوء الخيار الأخضر داخل المدن الرئيسية تعبيراً عن رفض الطريق الأحمر الدموي الذي يقودهُ الحرس، فالناسُ تريدُ زرعَ الحياةَ وتوسيع الإنتاج لا شن الحروب!
أما (القاعدة) فهي نتاجُ رأسماليي الجزيرة العربية المغامرين الذين حصلوا على ثروات كبيرة في الانتعاش الاقتصادي النفطي، ويريدون القفزَ على التطور السياسي السلمي المتدرج في الجزيرة، واتباع أساليب الغزو البدوي، والاستفادة من الصراعات القبلية والمناطقية والمذهبية وتوظيفها في صعودهم للسلطة.
تتركز تكتيكاتُ الحرس والقاعدة على تحريكِ المناطقِ الفقيرة النائية والفاقدة الأمن المركزي، لجعلها مناطقَ حراكٍ عسكري معارضٍ متمرد، وتحويلها إلى سلطات مستقلة، وجعل المنطقة في توتر دائم.
تعاون هاتين الجهتين السياسيتين العسكريتين على نشاط موحد يعبر عن سياسة اليأس، فليس ثمة مشروع سياسي ممكن ومتحضر، فمعارضة الغرب الشمولي مطلوبة في سياق الاستقلال والحداثة والديمقراطية، وهي لابد أن تتشكلَ في مدنِ المنطقة الكبرى، ومن قبل القوى العريضة والحداثية، لا في مناطق العزلة والعصابات.
فتتم في هذه السياسة تغذية رموز وقوى سياسية محافظة ومذهبية واشباع شهيتها للزعامة وأنها تستطيع أن تقود وتنفصل بل أن تحرر البلد من التبعية و(الارتماء في أحضان الامبريالية)!
إنها محدودية قوتين تريدان جر المنطقة لمستويهما، فتركزان في مناطق الاحتشاد القبلي ذي الكثافة السكانية والتجيهزات العسكرية التقليدية، مع رفدها بإمكانيات حديثة، ولهذا فإن تغذية هذه المناطق بالأفكار الدينية النصوصية المتعصبة، هو شكلٌ متقاربٌ وموحد في حالات غياب العقلانية والاجتهاد.
ولكن هذا لا يعني غياب المدن في الجزيرة والخليج عن هذا التخطيط المتنامي، لكنه يبتعد الآن بسبب قوة السلطات المركزية فيها، وعدم وجود حالات الفلتان الأمني كما في الجبال، ولكنه يمكنه مستقبلاً أن يتخذَ أشكالاً تلائم هذه المدن مع استمرار المشكلات الاجتماعية والاقتصادية من دون حلول جذرية.
إن سياسة الحدة العسكرية في العاصمة صنعاء تعطينا مثالاً لما يجب أن يتم تجنبه، ومن الضروري عدم جلب سياسات صدام حسين للجزيرة، التي اعتمدت على مجابهة كل شيء بالعنف، والآن تقومُ نتائج هذه السياسة بتهديد شمال الجزيرة كما تهدد أحداث اليمن خاصرتها.
دعم سياسة الخضر في إيران والقوى الديمقراطية العلمانية في منطقة الجزيرة وإصلاح مناطق الفقر، وخاصة سياسة إعطاء الفلاحين والحرفيين الأراضي الزراعية والأدوات، وخلق أسوجة اجتماعية طويلة من المزارعين المستقلين، هذه من الممكن أن تبعد البدو والمشردين والفقراء في هذه المناطق عن اليأس ومشاركة المغامرين في أعمالهم.

صحيفة اخبار الخليج
24 نوفمبر 2009