كان جاك شيراك، الرئيس الفرنسي السابق، رئيساً لبلدية العاصمة باريس فترة طويلة. نجاحاته، بوصفه عمدة للعاصمة، هي التي هيأت له الطريق ليصعد إلى رئاسة الجمهورية. في البلدان الديمقراطية عامة ينظر إلى المجالس البلدية نظرة جادة بوصفها الشكل الرئيسي للحكم المحلي الذي يعزز اللامركزية الإدارية، ويرسخ مبادئ الممارسة الديمقراطية، ويقيم الصلة المباشرة بين النائب البلدي، والحزب أو الجهة السياسية التي يمثلها وبين الناخبين من أهالي المنطقة التي يقودها هذا المجلس البلدي، لأنه يتصدى للقضايا المباشرة واليومية للمواطنين ذات العلاقة بمصالحهم الحيوية وتطلعاتهم نحو حياة أفضل في مناطقهم، تتوفر فيها شوارع منظمة واسعة وحدائق عامة ومراكز ثقافية وتسويقية ودور سينما ومسارح ورياض أطفال. يمكن للناخبين أن يحكموا على جدارة الأحزاب وعلى مدى صدق تبنيها لقضايا الناس من خلال ما يقوم به الممثلون البلديون لهذه الأحزاب. وبشكل عام يفضل الناخبون، في المجتمعات الديمقراطية، انتخاب أولئك المرشحين الذين تمتلك أحزابهم كوادر مؤهلة وبرامج اجتماعية واضحة، مما يفسر النفوذ البارز للأحزاب اليسارية في المجالس البلدية في العديد من هذه المجتمعات. هذه أمور جوهرية لا يعرفها الكثيرون في بلادنا، بمن فيهم الممثلون البلديون أنفسهم الذين ما زال الكثير منهم حتى هذه اللحظة لا يدرك كنه العمل البلدي ولا طبيعة الصلاحيات المعطاة للمجالس البلدية، ولا السبيل الصحيح لاستثمار ما هو متاح من هذه الصلاحيات ومن ثم السعي لتطويرها. أتذكر هناك ما قاله أحد البلديين في البحرين في الفصل البلدي السابق من أن مشروعاً مثل مشروع ترميم البيوت الآيلة للسقوط الذي أحيل للمجالس البلدية كان يمكن له أن يكون رافعة لفوز أعضاء المجالس البلدية مرة أخرى، لكن بالنظر إلى الطريقة التي أداروا بها هذا الملف فإنه أصبح عاملاً لسقوطهم لا لفوزهم. ومع معرفتنا بالقيود الكثيرة المفروضة على المجالس البلدية ومزاحمة أجهزة الدولة لصلاحياتها في الكثير من الأوجه، لكن مع ذلك فان على أعضاء المجالس البلدية تكريس وقائع فعلية على الأرض تعزز من صلاحيات هذه المجالس، باعتبارها رافداً لمسيرة التنمية المستدامة وطرفاً أساسياً في عملية تأهيل المدن والقرى والارتقاء بمستوى مقتضيات الحداثة وانجاز خدمات ملموسة لمواطني المناطق التي يمثلونها. منذ أسابيع قليلة أقام المنبر التقدمي ندوة لأعضاء المجلس البلدي في المحافظة الوسطى، دار جزء من النقاش فيها حول هذا الجانب تحديداً، باتجاه بلورة مثل هذه الرؤية لدور المجالس البلدية وهي رؤية نتمنى لو أن رؤساء وأعضاء المجالس البلدية استوعبوها جيداً وحولوها إلى برامج ملموسة للنهوض بأوضاع ناخبيهم وأوضاع مناطق هؤلاء الناخبين. في هذا السياق مفيد التساؤل عن مرشحي الانتخابات البلدية القادمة الذين لم نسمع بهم أمام هذا اللهاث نحو مقاعد المجلس النيابي، مما يعكس جهلاً أو استخفافاً بدور ومهام العمل البلدي، وعجزاً عن الوفاء بأعبائه الحقيقية، وهذا هو أحد مظاهر الخلل الرئيسية في الارتقاء إلى أعباء التحول نحو البناء الديمقراطي المنشود.
صحيفة الايام
24 نوفمبر 2009