أقل من ثلاثة أسابيع وتلتئم قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الكويت الشقيقة. لم يبق من الوقت سوى قليله قبل أن تتخذ القمة قرارها بشأن الوحدة النقدية ووحدة النقد – العملة الخليجية المشتركة. لا يزال الجدل محتدما حول مكونات هذه العملة وموعد إطلاقها. لكن الجدل الأهم هو حول ارتباطها بالدولار الأميركي، وكذلك تسعير النفط بالعملة الأميركية. وقد يرى البعض في هذا ظاهرة إيجابية، خصوصاً بعد أن اعتاد كثير من المسؤولين، ومعهم كثير من الاقتصاديين على ‘قدرية’ الارتباط بالدولار. كان لهذا الجدل أن يحسم قبل وقت كاف من الآن. فالجدل الحقيقي يجب أن يدور الآن حول إسهام مجلس التعاون الخليجي في إعادة بناء النظام النقدي والهرم المالي العالميين. باستمراره يحصرنا هذا الجدل للأسف في حلقة ضيقة ومفرغة، محورها الدولار. أما كل العالم فيتحدث ليس فقط عن البديل للدولار كعملة احتياط عالمية، بل وماهية العملة الجديدة، مكوناتها، الجهة أو الجهات المصدرة لها ومعايير وثبات سعرها التبادلي، بكلمة.. عن النظام النقدي المالي العالمي الجديد.
لم تجد فكرة الرئيس الروسي ميدفيديف التي طرحها قبيل انعقاد أول قمة لمجموعة العشرين لمكافحة الأزمة حول إصلاح النظام النقدي العالمي قبولا أثناء تلك القمة. بعد ذلك بأشهر أصبحت فكرة إيجاد عملة عالمية جديدة بديلاً للدولار تلاعب أذهان الخبراء العالميين. ومنذ أشهر أصبحت بلدان أكثر فأكثر تنخرط في عملية البحث عن بديل للدولار، بما في ذلك في منطقتنا (قطر والكويت، ناهيك عن إيران). غير أن التطور الدرامي هو أن صندوق النقد العالمي (سنرمز إليه ‘صند’)، الذي طالما أتحفنا بدراسات تقول بأن ارتباط العملات الخليجية بالدولار هي الخيار الأفضل، أصبح هو الآن، وفي حركة مناورة، يحاول تزعم مسيرة الإطاحة بالدولار. ذلك يعني أن آفاق العملة الجديدة صارت أكثر واقعية، لكن السؤال: أية عملة؟ وهنا حلبة صراع عالمية جديدة.
المدير التنفيذي لـ’صند’ دومينيك ستروسكان يقول بأن العالم لم يعد يحتمل الاعتماد على عملة تصدرها دولة لوحدها، كما ساد الحال بعد انقضاء عهد المعيار الذهبي. وعليه يرى ستروسكان أن العملة العالمية الجديدة يجب أن تتشكل فقط من سلة العملات المعمول بها حاليا، قاصدا بذلك حقوق السحب الخاصة (SDR). ورغم أن فكرة الارتباط بالوحدة الحسابية الداخلية في ‘صند’ (SDR) لم تجد قبولا لدى كثير من الخبراء العالميين، فإن الصندوق لا ينوي الاستسلام بعد. سرعان ما هبَّ خبراء سابقون وحاليون في ‘صند’ لتطوير فكرة ستروسكان بتوسيع سلة (SDR) بإدخال عملات عدد من بلدان الاقتصادات الناشئة. المدير التنفيذي السابق لـ’صند’ ميشيل كومديسيو يرى وجوب تحديث السلة لتضم عملات بلدان كالصين والهند والبرازيل. لاحظوا أن المدعوين الجدد للمساهمة في الاتحاد النقدي الجديد هم ثلاثة من بين بلدان مجموعة عمالقة الاقتصاد العالمي الجدد الأربعة BRIC، أي باستثناء روسيا التي كانت أول من دعا أصلا إلى إصلاح النظام النقدي العالمي كما ذكرنا أعلاه.
وهكذا، فنحن أمام خطة أو مؤامرة عالمية جديدة، سمها ما شئت، لفرض حل يحقق للولايات المتحدة هدفين في آن: فأولاً، رغم أن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بن برنانكي كان قد وعد الاثنين الماضي بدعم الدولار ليصبح ‘قويا من جديد’، إلا أنه يدرك قبل غيره مصير الدولار المحتوم، كونه أحد صناع هذا المصير. وعن سبق إصرار على الأغلب. وإذا كان لا مناص من استبدال الدولار، فلتبق العملة البديلة من صنع وتحت إشراف ‘صند’، حيث السيطرة الأميركية لا تزال شبه مطلقة. إذن، فسواء بالدولار أو بالـSDR يجب أن تبقى أميركا هي المهيمنة في النظام النقدي والمالي العالميين.
ثانيا، إذا كان لا بد من توسيع سلة الـSDR فلينطوِ ذلك على مؤامرة تستهدف تفكيك مجموعة BRIC باستبعاد روسيا منها والاستفراد ببقية أعضائها. وعلى هذا الأساس يرى البعض (بغير تندر لحد الآن) أن ما يحاك ربما يشكل الخطوة التالية لقيام الحكومة العالمية العتيدة بكل ما قد يجره ذلك على العالم من نتائج. غير أن السخرية الحقيقية يمكن أن تحدث بعد أن يتضح أن هذه الفكرة ذاتها قد غدت أضغاث أحلام. فالعالم يتغير حقا، لكن باتجاه فقدان الولايات المتحدة لدورها الريادي في هذا التغيير. هذا الدور التغيري يجب أن تتقاسمه مجموعات دول العالم المختلفة، فهل سيكون لمجلس التعاون الخليجي مكان بينها في صياغة النظام العالمي الجديد.. من دون التعلُّق بأميركا وحدها؟
صحيفة الوقت
23 نوفمبر 2009