لماذا يحتفل المنبر الديمقراطي التقدمي بالمناضل أحمد الشملان لمدة أسبوع كامل، شاملا عالم الفن التشكيلي والفن الغنائي والشعر والأدب والسيرة الذاتية لمن عاصروه ومن رفاقه والمقربين منه.
لقد سمعت مديحا عن أحمد الشملان منذ منتصف السبعينيات حيث قمة العطاء النضالي إبان الحركة السياسية فكان الرفاق في الجبهة الشعبية حينها يذكرون أحمد الشملان بالمناضل الصلب والمثقف الناضج فكريا والمستوعب للنظرية بشقيها المادي والجدلي كما كانوا يذكرون إمكانياته لفهم كتاب رأس المال الذي كان يستعصي فهمه على الكثير من المناضلين، ومنذ تلك الفترة طال إعجابي بهذا المناضل ليكون نبراسا أضيء به الطريق، وإذا تكلمنا عن الصمود والتحدي فهما ميزتان من ميزات المناضلين الحقيقيين الذين يضحون بالغالي والنفيس من أجل مبادئهم ومعتقداتهم الفكرية.
ولكن هل هذا السبب الوحيد الذي يدعونا للاحتفال بهذه المناسبة؟ فالكثير من المناضلين سواء في تيار جبهة التحرير الوطني البحرانية أو التيارات الأخرى من القوميين أو التيارات الدينية الذين يملكون الطاقات الجبارة من المناضلين الصلبين، فالجنود المجهولون في هذا المجال كثيرون.
رفاق كثيرون تشهد الزنازن ويشهد الجلادون بقوة صمودهم ولكن أبت الظروف أن يستمروا في العملية النضالية لذلك لا نجدهم في الساحة السياسية ونفتقدهم في الميدان وسيظلون من الجنود المجهولين إذا لم يبحث الرفاق في مذكرات التاريخ لتعزيز مكانتهم وإعادة الاعتبار لهم وإلا سيظلون حتما جنودا مجهولين.
الميزة الأخرى التي يتحلى بها هذا المناضل العنيد والصلب هي امتلاكه للإرث النضالي ليصبح رصيدا ليس للمناضل أحمد الشملان فقط بل رصيدا مكملا وجزءا أساسيا لتاريخ الحركة النضالية في البحرين امتدادا من حركة القوميين العرب الذي التحق في صفوفها في سن مبكرة أثناء دراسة المرحلة الثانوية في الكويت وثم التحق بالحركة الثورية 68 – 71 وثم التحق بالجبهة الشعبية لتحرير ظفار والخليج العربي والتي انبثقت منها الجبهة الشعبية في البحرين حيث تقلد الكثير من المواقع القيادية إلى أعلى هرمها.
ونتيجة للتجربة النضالية العميقة الاطلاع المستمر في مجال الوعي الفكري كعاملين أساسيين في تحولاته الفكرية والتحاقه بجبهة التحرير الوطني البحرانية.
وهنا نتساءل: هل هذه الميزة النضالية المتمثلة بالتاريخ الحافل من التجربة النضالية سبب أساسي يدعونا للاحتفال بهذا المناضل؟ فحتما الجواب: ليس لهذا السبب؛ فالكثير من رواد العمل السياسي في هذا الوطن تحلوا بهذه الصفة حيث شاركوا في تأسيس تيارات قومية وتيارات يسارية ولكن توقفهم جاء لأسباب حددها الزمان والمكان مرتبطة بظروف موضوعية وذاتية لعبت دورا في سيرتهم النضالية.
أحمد الشملان الإنسان والأديب والشاعر والناقد. لقد جسّد ذلك في إحساسه ومشاعره وحول الواقع وجسد الهموم والقضايا اليومية على شكل أدب وقصة وشعر ومسرح وكان دائم الحضور في المنتديات الثقافية وقلمه حاضر في الصفحات الأدبية وكنا نتابع هذا الهم سنين.
صحيح لدينا مناضلون يتميزون بقدرتهم الأدبية وكتابة الشعر والنقد؛ ولهذا نقول ليس هذا السبب الذي يدفعنا للاحتفال بتكريم هذا المناضل.
أحمد الشملان الصحافي الحقوقي الذي ظل يكتب المقالات الصحافية في صحفنا المحلية والخليجية موضحا الحقوق العامة للمواطنين ورافعا راية العدالة والإنسانية لدرجة أننا نعتبر المقالات الصحافية والتحليلات التي يكتبها أحمد الشملان بمثابة موقف سياسي نتثبت به في ظل الانقطاع والحصار الثقافي.
ولكن نقول مرة أخرى ليس هذا السبب الوحيد الذي يدفعنا للاحتفال بتكريم هذا المناضل؛ فالكثيرون من المناضلين من شعبنا ممن كتبوا بدمائهم المقالات الملتهبة والمواقف الناضجة المعبرة عن هموم وطموح شعبنا ولكن أين هؤلاء من ذلك فنحن نفتقدهم في الليلة الظلماء.
أحمد الشملان الأديب الشاعر والناقد والحقوقي والسياسي كلها صفات نعتز بها لهذا المناضل الذي افتقدته الساحة منذ تعرضه للجلطة التي أسكتت صوتا كان يرنُّ في أحلك الليالي الظلماء والأيام الملتهبة بعنفوانها من جراء المطاردات البوليسية وفي ظل الغيوم السوداء الملبدة بالأمطار المخيفة التي تبيد كل من يتظاهر أو يتجرأ أو يرفع رأسه متحديا هذا الواقع…
فكان أحمد الشملان الإنسان الذي تحدى كل هذا الواقع ورفع صوته عاليا ليسمعه جماهير شعبنا في إذاعة لندن حيث يعرب استنكاره لكل الممارسات البوليسية ضد شعبنا كمدافع صلب وأمينا على هذه المطالب؛ ما ذاع صيته في جميع أنحاء البحرين وفي القرى النائية لدرجة أن هناك حكايات تُردد في المجالس الشعبية لو أن المناضل أحمد الشملان رشح نفسه في هذه القرى حتما سيكون مرشحها الوحيد وأنا أقول أيضا هذا تعبير عن الواقع وعن شخصيته في صفوف الجماهير لتبنيه مطالب العامة من الجانب الإنساني والاجتماعي وهذا الشيء الوحيد الذي يفتقده الكثير من المناضلين.
وهذا السبب الحقيقي الذي يدفعنا للاحتفال بهذا المناضل الصلب لما يتميز به من نفَس طويل تعبيرا عن استمراريته في النضال، وأمام كل المنعطفات التاريخية أثبت شموخه وأمام كل الجسور استطاع العبور فكانت مشعة ومضيئة تنير كل الطرقات وكل الحارات لتشمل كل زاوية في الوطن.
نعم هذا هو السبب الحقيقي لهذا الاحتفال والذي بحاجة إلى نموذج من أمثال المناضل أحمد الشملان ثري بعطائه.
فكانت مشاركته في الحركة السياسية ابتداء من حركة القوميين العرب وانتهاء بجبهة التحرير الوطني البحريني الذي يمثل المنبر الديمقراطي التقدمي امتدادا لهذا التيار.
كان التاريخ النضالي لأحمد الشملان بمثابة دروس في النضال يقدمها لنا وتتوارثها الأجيال.
لقد كان حاضرا في انتفاضة 65 العمالية وكان أيضا حاضرا ضمن التيارات المناهضة للاستعمار امتدادا من حركة القوميين العرب إلى الحركة الثورية.
ومن ثم إلى جبهة ظفار والخليج العربي ومن ثم إلى الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي والتي انبثقت منها الجبهة الشعبية في البحرين وأخيرا جبهة التحرير الوطني البحرانية التي تمثلها المنبر الديمقراطي التقدمي حاليا.
لقد كان حاضرا ومؤسسا للعريضة النخبوية ومن ثم العريضة الشعبية حيث تسلمت من المناضل شخصيا نسخة من العريضة النخبوية لعرضها على أصدقائنا ورفاقنا ولأقوم بواجبي تجاه هذا الوطن.
لقد تعرض مناضلنا لاعتقالات لا أول ولا آخر لها، ألا يكفي هذا النفَس الطويل واستمراريته في العطاء والنضال لأن يكون سببا أساسيا ورئيسيا يدفعنا للاحتفال بهذا المناضل وتكريمه.
نعم لقد كان أحمد الشملان المناضل والإنسان والحقوقي والصحافي والمبدع والأديب والشاعر، صفات لا يمكن أن يتحلى بها أي مناضل آخر.
فهنيئا لك يا «أبو خالد» بهذه المناسبة، وتستحق أكبر من ذلك.
ولمعرفة المزيد من تاريخ هذا المناضل لابد من قراءة الكتاب الذي ألفته زوجته فوزية مطر «سيرة مناضل وتاريخ وطن».
الوسط 18 نوفمبر 2009م