يلحظ المراقب لتطورات العلاقات الاقتصادية الدولية تزايد تعبير الأوساط الاقتصادية الغربية، العامة والخاصة، عن قلقها من تنامي واتساع نطاق الاتفاقات الثنائية التجارية خصوصاً في القارة الآسيوية التي من سماتها الواضحة في القرن الحادي والعشرين حيوية وديناميكية أدائها الاقتصادي. تقول هذه الأوساط إن الاتفاقات الثنائية التجارية (Bilateral Free Trade Agreements) يجب أن لا تشكل بديلاً للمفاوضات والاتفاقات متعددة الأطراف وتحديداً تلك الجارية في إطار منظمة التجارة العالمية، وأن لا تؤثر خصوصاً على جولة الدوحة (Doha Round)، وهي الجولة التاسعة، من مفاوضات تحرير التجارة العالمية المتعددة الأطراف. يذكر هنا أن الدول الصناعية الغربية المتقدمة، هي التي أطلقت هذا النوع من الاتفاقات التجارية الدولية كآلية ‘مستحدثة’ لتحرير التجارة البينية (الثنائية) بعد أن وصلت المفاوضات المتعددة الأطراف في إطار منظمة التجارة العالمية إلى طريق مسدود. الولايات المتحدة التي دشنت هذه الآلية خصوصاً مع جاراتها بلدان أمريكا اللاتينية ثم وبعد ذلك مع بلدان آسيوية وشرق أوسطية، تبغي بواسطتها تجاوز واقع انسداد أفق تقدم المفاوضات بين الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية منذ ما قبل انطلاق جولة الدوحة أواخر عام .2001 يرد الآسيويون بالقول إنهم لن يضعوا أيديهم على خدودهم وينتظروا ريثما تستأنف مفاوضات جولة الدوحة وتحقق تقدماً ينقذ النظام التجاري الدولي المتعدد الأطراف من مأزقه الحالي، وإنها عوضاً عن ذلك ستفتش عن شريك تجاري تبرم معه اتفاقية ثنائية أو حتى عدد من الشركاء مثل كتلة مجلس التعاون الخليجي أو كتلة الميركوسور الأمريكية اللاتينية على سبيل المثال. العجيب أن الدول الغربية بدأت تحذر الدول الآسيوية من مغبة مواصلة السير على هذا الخيار التفاوضي الثنائي على مصير النظام التجاري الدولي المتعدد الأطراف. مكمن القلق على ما يبدو هو الزيادة المضطردة في عدد الاتفاقات الثنائية التجارية الجاري إبرامها. فبعد أن كان عددها في عام 2001 (عام إطلاق جولة الدوحة من المفاوضات المتعددة الأطراف في إطار منظمة التجارة العالمية) 49 اتفاقية، فإن العدد ارتفع اليوم إلى 167 اتفاقية آخرها تلك التي وقعتها كل من الهند وكوريا الجنوبية والتي ستخلق للمصنعين الكوريين الجنوبيين فرصة استخدام الهند محطة تصدير لمنتجاتهم إلى الأسواق العالمية، فيما ستوفر للمبرمجين الهنود فرصة فتح فروع لأنشطتهم في كوريا وهو اتفاق متبادل على التمكين من النفاذ إلى الأسواق (Market Access). والراجح أن مثل هذه الاتفاقات التجارية الثنائية ستزداد في المقبل من الأيام وذلك نظراً لتوقف المسار التفاوضي على الصعيد المتعدد الأطراف (جولة الدوحة تحديداً) وتزايد نزعات الحمائية (Protectionism) تحت إغراءات مكافحة آثار الأزمة الاقتصادية. وليس صحيحاً ما يدعيه الغرب من أن هذه الاتفاقات الثنائية تنطوي على كثير من البيروقراطية والعمل الورقي والمحاباة لشركات بعينها على حساب شركات عالمية أخرى. فالاتفاقات التجارية الثنائية (FTAs) لا تختلف عن الاتفاقات التجارية المتعددة الأطراف ومنها تخصيصاً الاتفاقات التي يجري التفاوض على إبرامها في إطار منظمة التجارة العالمية إن لم تكن نسخة طبق الأصل منها. الفرق الوحيد بينهما هو النطاق (Scope)، فالأولى محدودة ضمن إطار دولتين أو مجموعة دول إقليمية، فيما الثانية ذات نطاق عالمي أوسع، فضلاً عن أن الأولى تشكل أساساً للثانية، أي أن المتفاوضين على إبرام اتفاقات تجارية ثنائية يأخذون في اعتبارهم ما كانوا قدموه سلفاً من التزامات (بخفض السقوف الجمركية الكمية وغير الكمية) لمنظمة التجارة العالمية ويزيدون عليها فتصبح الاتفاقات الثنائية بهذا المعنى (WTO+). كما إن القول بأن هذه الاتفاقات التجارية الثنائية تؤسس لممارسة جديدة في النظام التجاري الدولي قائمة على أساس التمييز من حيث إن هذه الاتفاقات توفر معاملة تفضيلية للدول طرفي التعاقد.
صحيفة الوطن
22 نوفمبر 2009