أحمد الشملان ، اسم يختزل عقودا وتاريخا من مسيرة خضراء عمدتها أجيال متعاقبة ممن حفروا أسماءهم في ذاكرة الوطن عبر تضحيات جسام لا شك أن نسبة غير يسيرة باتت تجهلها، ربما لعتمة المشهد وتشويش رؤيته ممن ولصالح من يتسلقونه عنوة، حيث تعبد الطرق أمامهم لتخريب تلك الصورة البانورامية الجميلة التي لن تبهت أبدا من ذاكرة الأجيال مهما علا الموج وادلهمت المسافات، فهي صورة خلقت لتبقى عنوانا لوطن سيظل موحدا رغم ما يعتريه من أمراض ومتاعب.
ماذا يعني أن تحتفي البحرين بأحمد الشملان؟ ولماذا الآن بالذات؟ وما مغزى تلك الجموع الغفيرة التي شاركت بحب وعرفان في احتفالية يقيمها المنبر الديمقراطي التقدمي منذ الرابع عشر حتى الخامس والعشرين من الشهر الجاري، حيث تتناغم السياسة بالفن والأدب والشعر والمسرح، أسئلة ربما طرحتها مشاركات ومداخلات ورؤى وكتابات من ساهموا بإصرار على إنجاح هذا المهرجان الوطني الكبير، احتفاءاً وتكريما لشخصية وطنية استثنائية بكل المقاييس، فهو الحاضر بيننا بصمته المهيب وحضوره المبهر الطاغي، نحن رفاقه وتلامذته وكل الخيّرين في هذا الوطن، نستمد من جَلدِه وعزيمته قوة تعيننا على مواصلة الطريق، ومن صمته الناطق وشموخه عنفوان الولاء للأرض والوطن، ونتعلم من سيرته ومبادئه وخطى كل من رافقوا مسيرته الكفاحية دروسا ومواقف وعبر، علها تعيننا على فهم واقعنا بكل ما يعتريه من مرارات وتشابك وتداخل وضبابية وضياع، إلى حيث يكون العمل والإصرار والتشبث بالمبادىء وأخلاقيات العمل والصبر والنزاهة والزهد، من أجل رفعة الوطن، رغم وعورة الدروب وتعدد منعطفاتها، ومن أجل الثبات على المواقف التي قل نظيرها لمناضل خبرته أزقة المحرق ودروب مدن وقرى البحرين، كما خبرته الحجر المظلمة وساحات المنافي حتى رسمت بوضوح بصماتها على سحنته ومهابته التي تتلاشى أمامها ترهات من تيقنوا يوما أنهم قد نالوا منه.
رغم قسوة الظروف والمكابدة ها هو أحمد الشملان مبتسما متفائلا كعادته مصرا على أن يبعث فينا الأمل بمستقبل أفضل لهذا الوطن وأبناءه، نتعلم منه في صمته وحضوره، نتمسك من خلاله بأهداب الأمل التائه في ساحات العبث اليومي المزلزل لكيانات ومواقف ترتعش فرائصها مع أول هبة، نتعلم من مواقفه وثباته ومحبته التي تظللنا جميعا، لنقول معه أن لا مكان هنا لمن يقتسمون الوطن ويعبثون بمقدراته ويسعون جاهدين لأن يحرقوا الأخضر واليابس فيه، نزولا عند نزواتهم المريضة المشبعة بالقيح، ولمن لا يعرفون الشملان نقول عليكم أن تقرءوا فصولا من سيرته العطرة كما رصدتها بتواضع جم وأناة رفيقة دربه “أم خالد”، حيث المكابدة والألم والإصرار والتعلق بالوطن أملا ومحبة، والى حيث تتعدد الشهادات والمحطات والمواقع ذات البعد والهدف الواضح باتجاه الوطن والناس في مسيرة تلك القامة الوطنية الشامخة، لتعطي دفقا لا ينضب لمحورية شخصية أحمد الشملان القيادية في مسيرة العمل الوطني.
أن نحتفي بأحمد الشملان فإننا نحتفي بوطن يسمو أبدا فوق جراحات ونزوات رخيصة لاهثة دون كلل، كم كانت معيقة بحق لمسيرتنا الوطنية، دون أن يسعفنا اللهث والتدافع للتوقف قليلا عند محطاتنا الوطنية الكبرى لنقرأ شيئا من تاريخ الوطن الناصع الذي ساهم فيه “الشملان” ورفاقه وكل رجالات وشهداء هذا الوطن المخلصين، وهم امتداد أصيل لرجال سبقوهم في هيئة الاتحاد الوطني، رجال حفروا الوطن جميلا في مخيلتنا الأولى، ليكون وطنا جامعا لكل مكوناتنا الوطنية دون فرز مذهبي أو طائفي أو قبلي أو اثني، نحتفي بك “أبا خالد” لأنك كنت وستبقى عنواننا الأبرز لوحدة وطنية يراد لها أن تضرب وتمرغ في الوحل، كانت حاضرة على الدوام في فكرك وعملك وصبرك الطويل، في سبيل أن تبقى البحرين وطنا لنا جميعا، تلك الجميلة التي أفنت لأجلها أجيال متعاقبة سنوات الورد والعطاء، كان في مقدمتهم طيبي الذكر أحمد الذوادي ورفيق دربه عبد الرحمن النعيمي(شافاه الله) وشيخنا الراحل الجمري، غير عابئين بجلل الخطب ووحشة المسافات.
نحتفي بالشملان رمزا لوحدتنا الوطنية، لتتعلم من سيرته الأجيال كيف يكون الوطن أغلى من بؤبؤ العين،وكيف يكون للنضال في سبيل الوطن معنى يتجاوز الزيف والحقد والكراهية، وكيف نصيّر الفجر الشارد بعيدا في متاهة العبث وطنا يزهو ليحتضن الجميع.