إن الطبقةَ العاملةَ البحرينية التي تكونتْ بعد الأربعينيات من القرن العشرين، تشكلتْ في الصناعات الاستخراجية، أي ما ارتبط بصناعة الاستخراج والتكرير النفطية، وذلك شكلَ جسما اقتصاديا محدودا، يظلُ دائما هامشيا على قوانين البنية الاقتصادية، أما بقية القطاعات فهي لم تكن صناعية أو قريبة من الصناعة، فهي أعمالٌ تجارية أو خدماتية ذاتُ تمركزٍ قليلٍ قياساً لدول أخرى، ومن هنا لعبت البؤرُ الاقتصاديةُ الاستخراجية والتحويلية الصناعية والخدماتية الكبيرة المهمة دورا إقتصاديا مركزيا وغدت مراكز مهمة في نضالِ العمال من أجلِ تغيير ظروف العمل وتحسين الأجور بأشكالٍ متعددةٍ تعكسُ تباين القوى الاجتماعية في كل مرحلة.
ولم ينمُ الهيكلُ الاقتصادي الصناعي بدرجةٍ أساسيةٍ بل أدتْ فوائضُ النفط إلى تصاعدِ الأقسام والمستويات الاقتصادية الخدماتية المختلفة كالبنوك والمؤسسات التجارية والشركات المخلتفة.
كان هذا يشكلُ قفزةً على طبيعة الاقتصاد الإنتاجي البسيط، فتصاعدتْ الفوائضُ المالية إلى هياكل اقتصاديةٍ غيرِ مخططٍ لها، وشكلتْ سوقاً غيرَ مبرمجة ولا متسقة، فتنامتْ العملياتُ الاقتصادية في كل اتجاه، حسب قوانين العرض والطلب ومن لديه أغلب الفوائض النفطية، في الداخل والخارج.
ظلت الصناعاتُ الاستخراجيةُ المحوريةُ المحدودة تمثلُ الهيكلَ الاقتصادي الأساسي، ونتجتْ عنها صناعاتٌ متوسطةٌ وصغيرة، وظهرتْ نسخٌ جديدةٌ في العقود التالية في مواد خامٍ ومُصنعة أخرى شكلت صناعاتٍ جديدةً لا تختلفُ عن هيكليةِ الصناعات السابقة، وإن تغيرتْ مواقعُها وتبدلَ عمالُها المواطنون إلى أجانب.
هي الاستراتيجيةُ الاقتصاديةُ نفسُها التي وُضعتْ في بدايةِ الستينيات، من دون قراءةٍ جديدةٍ لطبيعة التطور الصناعي العالمي الثوري، ولكن من أجلِ ضخِ الفوائضِ في الأجهزةِ الحكوميةِ وما يصلُ إلى السوق من دخلٍ مباشرٍ أو غيرِ مباشرٍ منها، من دون العناية بقضايا التلوث ومشكلات الاختناق المروري وانحصار الخريطة الجغرافية الوطنية في مثلث واحد ضيق.
هذه السياسةُ الاقتصاديةُ غيرت خريطةَ الطبقة العاملة البحرينية، وكما أن الاقتصادَ لم يعد وطنيا، فكذلك الطبقة العاملة في البحرين لم تعدْ وطنية، بل صارت وطنية – مناطقية – عالمية.
وفي حين كان الجسمُ البحريني هو الأغلبيةُ في السابق، صار الأقلية، وهذا التكوينُ الموضوعي لا علاقةَ له بالمشاعرِ الوطنية والقومية، بل هو جزءٌ من إشكالياتِ البنيةِ الاجتماعية، أي من كونِها تقومُ على صناعةٍ استخراجيةٍ لمادةٍ ذاتِ سعرٍ مرتفع غير موجهة وطنيا، وتندفعُ الفوائضُ بلا خطةٍ مُبرمجةٍ وطنية وتبدلُ البنيةَ الوطنيةَ القديمةَ المرتبطةَ باقتصادٍ سابقٍ مرتبطٍ بسعرِ نفطٍ منخفض.
إن عمليةَ الانتقال شكلتْ صدمةً اجتماعيةً وتحولاتٍ لم تتمْ السيطرة عليها في بنيةٍ اجتماعيةٍ صغيرة، وإذا كانت لها نتائجٌ مختلفةٌ ومتحدة في المستويات كافة، وفي الظاهراتِ الوطنية عامة، فإننا نركزُ الآن في انعكاساتِها على الطبقة العاملة التي لم تعدْ بحرينيةً خالصةً، لنحاول قراءة هذه التأثيرات داخلها من خلال بُناها ومستوياتِها المرصودةِ رصدا كميا فقيرا.
إن التناقضَ الأولي في هذا الجسم الاجتماعي هو بين ما هو وطني وما هو أجنبي، وهو أمرٌ يؤدي إلى تفككِ أجزاء الطبقة، بسببِ غيابِ أسلوبِ الإنتاج الحديث المتماسك:
“قدرتْ ورقةُ عملٍ صادرة عن منظمة العمل الدولية ارتفاعَ نسبةِ العمال الأجانب مقارنة بالسكان في البحرين عام 2010 بـ (1،39%)، مشيرة إلى أنهم يمثلون ما نسبته (58،58%) من إجمالي القوى العاملة.
وأوضحتْ ورقةُ “هجرة اليد العمالة الدولية والعمالة في الوطن العربي” المقرر عَرضُها في جلسات المنتدى العربي للتشغيل الذي تنظمه منظمتا العمل الدولية والعربية، أن العمال الآسيويين يستحوذون على النسبة الأعلى مقارنة ببقية الجنسيات، فقد بلغ عددهم (542) ألف عامل، مقارنة بـ (38) ألف عربي، و(12) ألف أوروبي وأمريكي.
وتطرقت الورقة التي تناقش أوضاع العمالة الأجنبية في المنطقة العربية إلى أن النساء الأجنبيات يشكلن غالبية العاملين في المنازل في البحرين، حيث بلغ مجموع تلك العمالة في عام 2007 ما يقارب (64) ألفا، منهم (7،64%) من النساء”، جريدة الوقت البحرينية،20/10/.2009
علينا أن نستعيرَ الأرقامَ من المنظمات العربية من أجل رؤية بعض الصورة المحلية، وهي صورةٌ توضحُ التناقضَ بين قوتي العمل الرئيسيتين: المحلية والأجنبية، وهي أرقامٌ تقفُ فقط عند أرقام الهجرة والجوازات، ولا تستطيع أن تضيف إحصائيات أعمق في بُنى قوى العمل الغائرة.
وإذا كان التناقضُ قد تجسدَ بين الرجالِ المحليين والأجانب، على مستوى كميةِ بيعِ قوى العمل خارج البيوت، فإنه كذلك يتجسدُ بين النساء داخل البيوت وفي المشاغل الصغيرة، وهو يوضح كذلك ضخامة الأيدي العاملة النسائية المستخدمة في المنازل، أي في أشكالِ عملٍ بذخية وهامشية.
صحيفة اخبار الخليج
21 نوفمبر 2009