جهود ديوان الرقابة المالية واضحة جداً وهي محط تقدير لانه وباختصار استطاع في تقاريره السنوية ولاسيما الاخيرة منها لعام 2008 ان يكشف وبحرفية يشكر عليها عن مخالفات وتجاوزات مالية وقعت في 58 جهة رسمية خضعت للرقابة. وفي الحقيقة ان دل هذا على شيء فانه يدل على حرص هذا الجهاز في سعيه لحماية المال العام. ومع ذلك هناك مخالفات مالية لم يشملها هذا التقرير وبالتالي لماذا لم تخضع هذه المخالفات للرقابة؟ سؤال سيظل قائماً طالما تلك المخالفات قائمة بعيدة عن الرقابة. والشيء المهم والملفت للنظر في هذا التقرير هو انه كشف عن مصروفات جهات لم تسجل في الحساب الختامي الموحد للدولة وقد بلغت هذه المصروفات 30.5 مليون دينار مما يعد في نظر اصحاب الاختصاص مخالفة مالية للمادة (38) من قانون الميزانية العامة التي تنص على انه “يعتبر في حكم المصروف ما يستحق عن عمل أدى فعلاً او خدمات او سلع تم تسلمها خلال السنة الماضية ولو لم تستكمل اجراءات صرف هذه الاستحقاقات لاي سبب من الاسباب قبل نهاية السنة المالية”، على العموم فإذا كان يهمنا كل ما احتوى عليه التقرير من هذه التجاوزات فان المهم ايضاً هو لماذا وقعت كل هذه التجاوزات؟ كيف نتجنبها مستقبلاً؟ ولماذا غابت المحاسبة طيلة الدورات البرلمانية الماضية؟ والمهم للغاية هو ما هو الدور الذي يفترض من المجلس التشريعي القيام به تجاه نتائج التقرير؟ كل هذه الاسئلة نطرحها وبإلحاح على نوابنا الافاضل الذين اكدوا في تصريحات لا حصر لها ان المخالفات التي وردت في التقرير جاءت محبطة ومخيبة للآمال. نعم، نطرح هذا الاسئلة على اصحاب السعادة لاعتقادنا ان دورهم الثابت والاساس هو حماية المال العام المبدأ الذي لا يقبل المساومات والتنازلات لقاء مصالح سياسية وحزبية ضيقة. وثمة مسألة اخرى تهمنا هنا وهي ما الدور الذي ينبغي ان تفعله الجمعيات السياسية ومنظمات المجتمع المدني التي لا تزال ردود فعل بعضها تجاه هذا التقرير خجولة!! على اية حال، فاذا كان واجبنا كنواب هو تفعيل الجانب الرقابي والتشريعي للمجلس فان مسؤوليتنا النيابية تحتم علينا ونحن نشهد كل هذه التجاوزات تفعيل المحاسبة التي ينبغي ان تكون على قدر كبير من الجدية والمسؤولية. وبعبارة اخرى ان لب المسألة فيما نعتقد هو ان ما يجري من عدم اكتراث تجاه قضايا كثيرة تتعلق بالفساد الاداري والمالي يعود اساساً الى ان اغلب الكتل النيابية لا تمتلك الاستراتيجية الواضحة لمكافحة الفساد والمفسدين!! والادهى من ذلك لا يمكن ان تكون هناك محاسبة حقيقية طالما تتعارض هذه المحاسبة مع المصالح الحزبية والذاتية! وهذا يعني ان الناخب الذي دغدغت عواطفه البرامج الانتخابية عليه اعادة النظر في هكذا نواب في الانتخابات النيابية المقبلة. وليس هناك ما يثير الرثاء اكثر من تصريحات بعض النواب فهناك من يقول: المخالفات التي اوردها التقرير كثيرة رغم انني لم اطلع على كل ما جاء به لكن ما قرأته في الصحف، كنا على علم مسبق به لانه موجود منذ فترة لكننا لا نملك الدليل عليها.. وهناك من يصف التقرير “بالمصيبة” داعياً الى محاربة الفساد ومحاسبة المفسدين.. ان مثل هذه التصريحات التي لا تخرج عن دائرة التهديد والوعيد تثار بشكل متكرر في مناقشة كل تقرير وها هي تتكرر حول تقرير 2008. ان مكافحة الفساد ليس بالتمنيات او التصريحات التي غالباً ما توظف للاستهلاك المحلي ولإبراز وتلميع الصور وانما بالاداء البرلماني الجاد الذي يفعل كل هذه التصريحات والامنيات الى واقع ملموس لمواجة كل ما يعيق الحقوق الديمقراطية وتنمية البلاد وتقدمها على مختلف الصعد .. فهل يعي اصحاب السعادة هذا الدور؟
صحيفة الايام
21 نوفمبر 2009