ترتدي مسألة إصلاح القوانين المنظمة للحريات العامة أهمية كبيره لأي دولة مثل البحرين تمر بمرحله انتقالية من مرحلة اتسمت تشريعاتها بتقيد الحريات العامة وإطلاق يد السلطات في التضييق عليها إلى مرحله يراد لها (تحقيق نهج ديمقراطي يرسى هيكلا متوازناً يؤكد الشراكة السياسية والدستورية بين الشعب والحكومة) كما جاء في ميثاق العمل الوطني وأكدت عليه المذكرة التفسيرية لتعديلات دستور مملكة البحرين .
لذلك فان إصلاح القوانين المنظمة للحريات العامة ترتدي هذه الأهمية مند التصويت على ميثاق العمل الوطني وانطلاق المشروع الإصلاحي، فقد كان من المفترض أن يترافق ذلك مع إطلاق عملية تشريع تهدف إلى استبدال سياسة التشريع القديمة القائمة على تغليب الهاجس الأمني علي أي شيء آخر بسياسة تشريعية جديدة تكون قائمه علي التوازن المرن بين الأمن وبين إطلاق الحريات العامة عبر إزالة ما كان يعترض ممارستها في القوانين من قيود وتنقيتها مما تضمنته من تدابير وأوضاع مقيدة لهذه الحريات .
لذلك لابد لهذه العملية من أن تبدأ وكلما تأخرت كلما زادت من الصعوبات والعقبات التي قد تواجه عملية الإصلاح في جميع مجالاته السياسية والاقتصادية والتعليمية وغيرها من المجالات . فلا يمكن أن يكون هناك إصلاح سياسي حقيقي من دون أن يترافق معه إصلاح قانوني وتشريعي يطلق بموجبه للمجتمع وللإفراد العنان لممارسة الحريات التي نص عليها الدستور من دون قيود غير مبررة حتى يطلعوا بدورهم ومسؤولياتهم في عملية الإصلاح .
إن إصلاح القوانين يتم عبر وضع سياسة تشريعية جديدة تضمن إيجاد التوازن المرن بين أمن الدولة وبين إطلاق الحريات العامة للمجتمع وأفراده . اعتماداً على المبدأ الذي قرره الدستور في المادة (31) وهو أن (لا ينال القانون من خلال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية)
وكون الحديث يدور عن قانون التجمعات فان هذا التشريع يجب أن يراعي أيضاً روح ونص المادة (21) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في هذا الشأن التي وافقت مملكة البحرين على الانضمام إليه في عام 2006 والذي تطالب الدول الأطراف بأن ( يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به في قوانينها وأن لا تضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أوحماية حقوق الآخرين وحرياتهم).
فالتدابير والشروط التي توضع لتقييد ممارسة المجتمع والأفراد للحقوق والحريات العامة يجب أن لا تخرج عما بينته المادة (21) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهى اشتراطات واستثناءات معقولة هدفت إلى تنظيم ممارسة هذه الحريات من دون أن تنال من جوهر الحرية أو الحق وهذا أيضاً ما يؤكد عليه دستور مملكة البحرين .
لذلك ونحن بصدد الحديث عن قانون التجمعات يجب أن يراعى:
1- أن يكون الحق في التجمع السلمي مباح ومعترف به من قبل الدولة ومنصوص عليه في قانونها
كحق أصيل للمجتمع والأفراد وأن يكون الحق في التجمع والتظاهر السلميين مباح قانوناً وان
يكون هو الأصل والقاعدة ويكون التقيد والمنع هو الاستثناء .
2- أن لا توضع أية شروط أو أوضاع أو تدابير من شانها التضييق على ممارسة هذا الحق
أو تحد منه أو تجعل السماح به رهن بموافقة السلطات .
3- أن لا توضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تكون ضرورية لصيانة
الأمن أو النظام العام أو السلامة العامة أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو تلك
التي تكون ضرورية لحماية الآخرين وحرياتهم .على أن ينص القانون علي أوضاعها
على سبيل الحصر وان لا يترك للسلطات سلطة تحديدها أو تحديد مضمونها. وان
لا تصاغ عباراتها بشكل فضفاض يسمح للسلطات التعسف في تفسيرها أو تأويلها.
هذه هي سياسة المشرع الدولي وهى التأكيد وعلى نطاق واسع على حق التجمع السلمي عبر وضع التزام على الدول الأطراف على احترامه والنص عليه في تشريعاتها الداخلية، وعبر حصر الحالات التي يجيز فيها للدول على سبيل الحصر تقييد ممارسته على سبيل الحصر استثناء من الأصل وهو الإباحة .
لقد صدر قانون التجمعات بموجب مرسوم تحت اسم المرسوم رقم (18) لسنة 1973 بشأن الاجتماعات العام والمواكب والتجمعات، وتم تعديل بعض مواده بموجب القانون رقم (32) لسنه 2006، وكما هو ملاحظ فإن القانون صدر بموجب مرسوم وعلى خلاف ما نص عليه الدستور الذي اشترط أن يصدر بموجب قانون عندما نص على وجوب أن تنظم الحريات العامة بموجب قوانين وذلك منعا حتى صدورها بموجب مراسيم تصدر بصورة استثنائية يكون لها قوة القانون . لذلك نصت الفقرة الأولى من المادة (31) من الدستور على أن (لا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور إلا بقانون أو بناء عليه)، وكان هدف المشرع الدستوري من اشتراط ذلك ضمان أن لا يصادر التشريع عند تنظيمه ممارسة الحريات من جوهر هذه الحريات، لذلك تشدد المشرع واشترط أن لا يتم تنظيم أو تحديد الحريات العامة إلا بموجب قوانين حتى يضمن أن لا تصدر إلا بعد أن تتم مناقشتها وإقرارها من قبل ممثلي الشعب في البرلمان، وهذه السياسة التشريعية للمشرع الدستوري في مسألة الحريات والحقوق نجدها واضحة في أحكام الدستور حيث يحرص المشرع على أن لا يصادر القانون الحقوق والحريات العامة، لذلك فقد اشترط الدستور في الفقرة الثانية من المادة (31) منه على ( وجوب أن لا ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية).
و بالرغم من أن قانون التجمعات قد نص في المادة (1) منه على أن الاجتماعات العامة مباحة إلا انه عاد و قيده في المادة (4) من القانون وجعله رهناً بموافقة مدير الأمن العام، فلمدير الأمن العام حسب القانون ان يمنع أي تجمع إذا رأى ان من شانه الإخلال بالأمن العام أو بسبب الغاية منه أو بسبب ظروف الزمان والمكان الملابسة له أو لأي سبب آخر غير ذلك.
كما ان المادة (11) من القانون قد ضيقت على حرية ممارسة حق التجمع والتظاهر السلمي، فحظرت المادة تنظيم المظاهرات أو المسيرات أو التجمعات بالقرب من المستشفيات أو المطارات أو المجمعات التجارية أو الأماكن ذات الطابع الأمني.
وكما هو واضح فلقد كان هدف المشرع عند وضع القانون تقييد حرية الاجتماع العام ورهنها بموافقة مدير الأمن العام، ليس هذا فحسب بل ووضع تحت تصرفه ترسانة واسعة من الذرائع والأسباب التي يتمكن من الاستناد إليها في منع عقد أي اجتماع عام، وقد صيغت هذه الأسباب بعبارات فضفاضة تسمح بتأويلها بما يتلاءم مع كل حادثة أو مع كل ظرف مما يكون معه الحديث عن إباحة التجمعات العامة الذي تنص عليه المادة الأولى من القانون ضرباً من المستحيل، و ينطبق ذلك أيضاً على حق التظاهر المنصوص عليه في المادة (9) من القانون.
ان قانون التجمعات يخالف من أوجه عديدة روح ونص المادة (21) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فلقد صادر القانون حق التجمع السلمي الذي يطالب العهد الدولي بأن يكون حقاً مباحاً ومعترفا به من قبل الدولة عندما جعله رهناً بموافقة مدير الأمن العام، وعندما وضع تحت تصرفه ترسانة من الاستثناءات التي تسمح له التعسف في استخدامها لمنع وتعطيل هذا الحق، أما بسبب ان من شانه الإخلال بالأمن العام وأما بسبب الغاية منه وأما بسبب ظروف الزمان والمكان الملابسة له أو لأي سبب آخر خطير وكل ذلك طبعا حسب تقديرمديرالأمن العام .
كما ويتعارض القانون مع الالتزام الذي تضعه الوثيقة الدولية على عاتق الدول الأطراف بان لا تضع الدول أمام ممارسة هذا الحق من التدابير أو الشروط ما يصادره أو يقيده أو يحد منه أو يرهنه بموافقة السلطات، و ان لا تضع من التدابير أو الشروط إلا تلك التي تكون ضرورية لتنظيم هذا الحق وفي حدودها الدنيا الذي يتطلبها هذا التنظيم، ومن الواضح أن السياسة التشريعية التي وضع على أساسها القانون كانت تقوم على تغليب الهاجس الأمني بدلاً من تنظيم هذه الحريات بشكل متوازن . و لذلك فقد كانت ترى في الحريات العامة تهديد للأمن يجب تقييده.
لذلك رأي أن من الضروري من وجه نظر المشرع أن يربط القانون تنظيم ممارسة الحريات مثل حرية التجمع السلمي أو التظاهر السلمي بموافقة السلطات الأمنية، وان يضع تحت تصرفها ترسانة من الأسباب والذرائع والتدابير التي يمكن الاستناد إليها من التحكم بشكل تعسفي بهذه الحريات إما باتجاه منعها واما باتجاه تقيدها أو بالحد منها .
لذلك ومملكهة البحرين قد طوت صفحة الماضي ودخلت مرحلة جديدة قوامها (توسيع دائرة المشاركة الشعبية في أعباء الحكم والإدارة) كما تؤكد على ذلك المذكرة التفسيرية للتعديلات على الدستور. فانه لابد من تغير السياسة التشريعية بما يتناسب وأهداف المرحلة التي تشير إليها المذكرة التفسيرية، مما يتطلب سن تشريع جديد للتجمعات ينظم الحق في التجمع والتظاهر السلميين بشكل مغاير عن القانون الحالي يكون فيه حق التجمع والتظاهر السلميين مباح بموجب القانون ومعترفاً به من قبل الدولة كحق أصيل، وان تكون فيه الإباحة هي الأصل ويكون فيه التقييد هو الاستثناء على ان ينص في القانون على حالاته على سبيل الحصر وفقأ لضوابط واضحة بعيده عن الصياغات الفضفاضة.