قلنا في مقالة سابقة ان الحديث عن احمد الشملان يعني الحديث عن شخصية وطنية سياسية شفافة، متعددة الاهتمامات الفكرية والأدبية والثقافية والصحفية. وعلى هذا الأساس كان في عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي غزير العطاء خصب المخيلة كان الشعر فعلا رؤيويا عميقا ونشاطا حضاريا عنده يدعو إلى إعادة النظر في الذات والزمن والمجتمع، وكان المسرح له مكانة خاصة في قائمة اهتماماته لاعتباره مشروعاً راقياً يبعث إلى النهوض، ومن هنا كانت رؤيته النقدية لتجارب المسرح البحريني واضحة تفرض الوقفة الجادة تجاه هذه الاضاءات، وخاصة إن إصدار الشملان مقالات في المسرح يعد من منجزاته النقدية التي تسعى الى الارتقاء بالحركة المسرحية البحرينية.
باختصار شديد ان أهمية هذا الإصدار، وهذه الرؤية النقدية للتجارب المسرحية البحرينية كما يقول الناقد المسرحي يوسف الحمدان: انه يعد توثيقا لمرحلة مهمة في تاريخ المسرح البحريني.. حيث تشكلت فيها رؤى واقتراحات وتقنيات جديدة ومختلفة عن سائر الرؤى والاقتراحات والتقنيات الذي صنع الحركة المسرحية في السبعينات. والحق ان قارئ الشملان في هذا الجانب يلاحظ ان “آلية” النهوض بالمسرح عنده تبدأ في المقام الأول من كيفية التعامل مع مشكلاته انطلاقا من النص والممثل والإخراج والجمهور ونقد صالات عرض وديكور ومؤثرات صوتية، والاهم هنا هو مدى الاهتمام الرسمي به..
وبمعنى آخر ان ضعف الاهتمام بالمسرح ساهم في الحد من تطوره وحول هذه الإشكالية له رأي يقول: حتى الآن مازلنا نتعامل مع المسرح كعمل إضافي رائد يمارسه الهواة في أوقات فراغهم وعندما يتحول هؤلاء الهواة الى عشاق متيمين بالمسرح ويتدخل المسرح في حياتهم اليومية والعائلية يشاغبهم في نفس من أنفاسهم يبدءون في الدخول في حلبة الصراع الداخلي والتمزق بين الإخلاص للمسرح وبين تلبية متطلبات الحياة اليومية ومواجهة مشاكلها المعيشية، فيظهر المسرح ومسرحياته مشوباً بالنقص والقصور ويتحول الى هدف سهل للطعن فيه وفي عشاقه!!
هذا الازدواج والتناقض بحاجة الى موقف يحسمه لصالح المسرح فقط. ولا مجال هنا للتعليل بمحدودية جهود المسرح او ضعف الحركة المسرحية. ذلك الضعف الذي سببه ثانوية الاهتمام بالمسرح، وإنما لا بد من نبذ كافة المعوقات التي تقف حائلاً أمام تكوين مسرح أصيل معافى يشرف تراثنا وتاريخنا وحاضرنا.
في إصداره النقدي المعني بالتجارب المسرحية المحلية، كثيرة هي التفاصيل التي تناولها بكل موضوعية وواقعية وهو يدافع عن حركة مسرحية تحتاج بالتأكيد إلى إغناء وتجديد وتطوير وبالتالي ان ما يؤرقه على حد تعبيره هو ان صعوبة الدرب الذي قطعته التجربة المسرحية عندنا يستدعي التساؤل كما وكيفا عن حصيلتها فهي قد تمت وتطورت على ما يبدو عامودياً ولم تستطع أن تتسع أفقيا باتجاه حشد جمهور يتعلق بها ويتفاعل معها.
الأيام 14 نوفمبر 2009