في أساس الفهم الحوثي للحقيقة كان البدء: »منتدى الشباب المؤمن«، وكان ذلك قبل تأسيس »حزب الحق« بعد الوحدة 1990، وكلاهما يحملان تأملات »مذهبية ودينية وسياسية«؛ فشعارهم كان ولايزال: »الله أكبر.. الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود والنصارى!«.. كرة الثلج هذه بدأت تكبر كلما تدحرجت حتى لجأت إلى الجبال، وبعد نهاية الحرب الأولى شكا الحوثيون من »مضايقات وملاحقات وفصل من وظائف قامت بها السلطة«. انتهت الحرب الثانية والشكوى ذاتها بزيادة: زُج كثير منهم في السجون، وتم اغتيال البعض، وهكذا، الحرب الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة هذه التي دخلت شهرها الخامس من دون أفق لحلحتها، بقدر تعقيداتها ليس اليمنية فحسب، بل الإقليمية أيضاً بدخول السعودية وإيران على الخط.
هدنة ثم انتكاسة.. حوارات مكثفة لإنزال »كرة الثلج من الجبال« وتذويبها، لكنها في النهاية تصطدم بـ »فحوى ضمانات عودة الحوثيين إلى مناطقهم«، وسط شحن مذهبي وطائفي وبُعد إقليمي من خلال استراتيجية »الأرض المحروقة«، ومعالجة »الخطأ بالخطأ« من دون »فرملة« تذكر من كلا الطرفين المتنازعين، حتى وصلت الأمور بأقصى درجاتها في خطاب الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الأخير بقوله: »إن الحرب مع المتمردين الحوثيين لم تبدأ إلا منذ يومين«، وإن ما كان يجري في ست سنوات من القتال ليس »سوى بروفات ومناورات«، في إشارة إلى دخول العربية السعودية الحرب لمنع المتسللين إلى أراضيها أثناء اقتحامهم جبل دخان، وما تلا ذلك من تصعيد لحرب صعدة، وما ترتب عليها من بُعد إقليمي بعد أن كان بالإمكان حل هذه الأزمة بصيغتها الوطنية الصرفة عبر الحوار بين العقلاء وأهل الحكمة الذين تشتهر بهم اليمن، ولا حاجة لأقلمتها أو تدويلها، أو دخول لاعبين جدد فيها تتقاطع مصالحهم، ويكون بالتالي اليمنيون الخاسر الأكبر فيها.
حرب صعدة بطبيعة الحال، لم تكن »بروفة أو تدريبات عسكرية بدأت منذ يومين«، وإلا لم يسقط خلالها عشرات آلاف الضحايا من القتلى والجرحى والمشردين الذين تقطعت بهم سبل الحياة المستقرة، وإهدار مليارات الدولارات من قوت الشعب اليمني الفقير (اليمن من أفقر بلدان العالم) لشراء السلاح والاقتتال به بين الإخوة اليمنيين، بدل صرفها على التنمية ورفاهية الناس وازدهارهم.
ومثلما شعار الحوثيين ينضح بالكراهية بين الأديان والأمم، حتى بتعبيراته السلمية، فإن آلة الحرب عقيمة وكريهة أيضاً، مثلها مثل شعارها: »الأرض المحروقة«، ولا يمكن أن تكون حلاً مهما اختلف أو اتفق الناس على مسبباتها.
أمام اليمن خياران: إما وقف الحرب الفوري وحقن دماء اليمنيين والحؤول دون أقلمة الحرب وتدويلها، أو معالجة الأزمة في »إطارها الوطني الطبيعي على طاولة الحوار الوطني الجاد والشامل الذي لا يستثني أحداً، وبما يفضي إلى تسوية وطنية إنقاذية شاملة، تحفظ سلامة اليمن ووحدته وأمنه واستقراره كجزء لا يتجزأ من أمن وسلامة واستقرار شعوب المنطقة«، وفق رؤية تكتل أحزاب »اللقاء المشترك« المعارض، فأية كفة ستنتصر على الأخرى؟.. فلننتظر لنرى.
صحيفة الوقت
13 نوفمبر 2009