صراعات مذهبية واجتماعية وسياسية متداخلة، ودكتاتوريات تتصارع على أجساد الشعوب، والموارد تضيع مرة على البذخ ومرات على الحروب ومن أجل استمرار البذخ!
ما الذي قلب الزيدية في اليمن على الشافعية؟ ما الذي جعلها تتغير من الموادعة والسلام إلى الحرب؟
على مدى سنين كانت الزيديةُ متميزة ومغايرة لبقية المذاهب الشيعية، وكانت مقاربة لأهل السنة، حيث ترفض شتم بعض رموز الصحابة، وتطرح مقاربة تاريخية معتدلة في مسألة الخلافة الإسلامية الأولى، ولكن حكم الزيدية أو الشافعية أو غيرهما من المذاهب للعامة الإسلامية لم يكن مختلفاً، فحين تتسلط المذاهب المسيسةُ على عامة المسلمين فهي ذاتها من حيث الاستغلال، لا فرق بين درزية تؤمن بالحلول وسنة تؤمن بالبعث.
تفارقت المذاهب المسيسة لليمين عن برنامجية القرآن السياسية، المقاربة لعامة المسلمين ومصالحها، ولهذا حين يحكم أحد المذاهبِ السياسية في فرقة من فرقه، فإنه لا يختلف عن الآخر المذهبي من حيث طابع الحكم الشمولي وخدمة أصحاب النفوذ والمال، ثم هناك تفاصيل لا تغير الجوهر.
وحين نرى كيف تتبدل الزيدية في اليمن من استقلال عن بقية المذاهب الإمامية، إلى اندماج سياسي بالقيادة الإيرانية، فإن هذا لا يعني أي تغيير في بنى المذهب الزيدي، حيث رقدت المذاهب السياسية (الإسلامية) في نوم اجتماعي مشترك، واعتبرت وسادة الأغنياء الكبار هي وسادة نومها السياسية ومصالحها.
وإذ يتبدل وضع الزيدية من حكم متنفذ إلى قوى مهمشة في الساحة اليمنية، ثم إلى قوى منبوذة ومستغلة من عاصمة (جمهورية) عسكرية، وهمشت الاقاليم والجماعات الأخرى وحولت الأحزاب والبرلمان إلى ديكورات، فإن الزيدية السياسية تبحث عن حلفاء ومعاونين، من خلال مستواها المذهبي ومن ثقافتها المحدودة في التصحر الذي تعيش فيه.
لقد حدثت اتصالات على مدى التاريخ بين إيران واليمن وأجزاء الجزيرة العربية الأخرى خاصة، في حراك المذاهب الإسلامية لإنتاج معارضات لحكومات الأقليات، وهو أمر طبيعي، وجزء من قوانين تاريخية متجذرة في حراك الأمم والشعوب الإسلامية، والضعيف يستمد قوة من حليف، وقد جرى ذلك قبل قرون وهو ليس من بدعِ هذه الأيام كما يظن من لم يقرأ التاريخ، لكن المذاهب لا تتغير، وأساسياتها تبقى كما هي، فعلى كثرة تحالفات الدروز فإن مذهب الدروز لم يتغير.
فكل هذا نشاط سياسي خارج عن بنية المذهب، وهي مواقف يقوم بها الزعماء وتتغير مع تغيرهم، والمذاهب كلما وجدت بيئة إصلاحية سلمية، وتبدلت سياسة المركز من العنف إلى التعاون ومن احتكار الثروة إلى توزيع الثروة الوطنية بشكل عقلاني، تنامت العناصر السلمية والديمقراطية داخلها، فلا تلجأ إلى المغامرات العنفية وإلى التحالفات غير الوطنية.
والأمر يتوقف على مدى حكمة أو حماقة الزعماء، فهناك زعماء يقودون للتهلكة والمغامرة وهناك زعماء يبحثون عن حلول وسط وعن تطور وطني عقلاني مشترك.
وقد وُجدت الحكمة الغائبة للأسف في اليمن فصنعاء تمادت في استغلالها وبطشها بالاقاليم وفي التحكم بالثروة الوطنية، وإلا ما ثارت الأقاليم بشكلٍ مشترك ضدها، فإذا كانت صعدة تختلق تآمرا فلماذا الجنوب يتمرد هو الآخر؟ فما تداخل الاضطربات شمالاً وجنوبا إلا بسبب سوء إدارة مركزية!
إن الحاكم الحكيم يقرأ ما هو معتدل وعقلاني في المذاهب الدينية ويستثمره في سياسة توحيدية وطنية، فيعرف احتياجات تلك المناطق الفقيرة ويمدها بالخدمات، وهو أمر يجعل سجاجيد القوى الحادة تُسحب من تحت أقدامها. بل يقوم بالحوار مع زعمائها وقواها الشعبية المختلفة لإقامة تعاون حتى لو كان بحجم شعرة معاوية.
أما أن الحاكم ليس لديه سوى سياسة إرسال الدبابات والمدافع، على طريقة صدام حسين، فإنه يقدم للمتطرفين في الشمال والجنوب أدوات ومبررات ليقوموا بما يقومون به من انتفاضات حمقاء في الشمال وحكيمة عقلانية في الجنوب!
صحيفة اخبار الخليج
10 نوفمبر 2009