لم تكن الاسرة قط معزولة عن البيئة السياسية للحركة الوطنية البحرينية «شخصيات او منظمات» ففي خضم هذه المعركة اليومية للادباء الشباب وفي مناخ علاقاتهم السياسية والشخصية بواقع الحل البحريني بين فترتي 69 ـ 79 وفترتي 80 ـ 1990 ففي تلك السنوات العشرين. وجدت الأسرة نفسها تعيش سلسلة من الضربات الخارجية القادمة لها من مناخ سياسي مضطرب ومتوتر وصراع داخلي بدأت مساحته تزداد ففي فترة التأسيس للأسرة وولادة المجلسين التأسيسي والتشريعي كان التوتر الداخلي للأسرة ناتجا عن توتر سياسي وفكري ’ أكثر من كونه ثقافيا وأدبيا ، ولكن التطورات اللاحقة ’الداخلية ستغمد سكيناً صغيرة في جسد الأسرة تجسدت في حدة الخلافات المنهجية والنظرية والإبداعية للمدارس والاتجاهات والتيارات الأدبية البنيوية والشكلانية بملامحها الادونيسية عربيا، باعتبارها طرحت نفسها كمدرسة مختلفة وجديدة مع تيار مناقض اعتبر نفسه الوريث التاريخي للواقعية، معتبرا الأشكال والصيغ الجديدة في التعبير لمدرسة الحداثة هروبية وذاتية. ودون الدخول في التفاصيل لعالم الشكل والمضمون واللغة والنص المفتوح في مواجهة التقليد والجمود والتفعيلة والسردية، الذي عاشته الواقعية، منغلقة على نفسها . فتداخلت عملية السياسي مع الأدبي لتشعل دائرة الاختلاف، وكأنما بدت الظاهرة للعيان إن من تبنوا اتجاه الحداثة والشكلانية يومها هم اقرب للجبهة الشعبية فيما كان دعاة الواقعية هم اقرب للتحرير هذا الانشغال والاشتعال في غابة الأسرة كان متلازما مع حدة وتوتر العلاقات السياسية أحيانا بين المنظمات، ولكن بصورة اقل حدة مما هو في داخل الأسرة، فهناك التكوين الشخصي والمزاجي يلعب دوره وله خصوصيته أيضا، ولكننا في النهاية أمام محصلات سلبية من عملية التماسك الداخلي، والذي وان لم يدفع في اتجاه التفكك، فانه ساعد على خلق مناخ فاتر وسلبي، أنتج بعض المواقف السيئة وأحيانا دفع البعض نحو العزلة والتلويح بفكرة الاستقالات الممكنة . كان المناخ المتوتر حاضرا لدى القوى الوطنية وشخصياتها، التي كانت خلف الكواليس حريصة على تماسك هذه المؤسسة، حيث حضورها الجماهيري مهما في نقل الرسالة السياسية للشارع، عكستها الأنشطة الطلابية والندوات والمشاركات الخارجية، بل وحرصت القوى الوطنية على فاعليتها وأهميتها كمؤسسة إبداعية، تقدم وجه البحرين الوطني من خلال تلك المشاركة، فهم الصوت الآخر للوجه السياسي في الإعلام الخارجي. وبنفس القدر كانت تحرص القوى الوطنية على الدفع بتأسيس منظمات حقوقية ومهنية كان من أبرزها، جمعية المهندسين والمحامين و مسرح أوال، فالأسرة المحصورة يومها في الداخل كانت بأمس الحاجة إلى قدرات واتصالات القوى الوطنية في الخارج، والتي لعبت دورا حيويا ومهما لإبراز الصورة الثقافية والإبداعية للبحرين خارج المحافل الرسمية. وإذا ما كان الأدب والأدباء في فترة ما مسجونين محاصرين، يسجل كليهما سطوره في وريقات سرية ويبعثها عبر قنوات متعددة، لكي ترى النور في الخارج، ويسمع العالم عن كيفية الحصار المضروب على أنفاس التعبير الثقافي، الذي كانت تمثله الأسرة. ونتيجة قلة الخبرة الحياتية وأحيانا تصلب الرأي والموقف. وعدم التمييز والفصل ما بين حالتي الارتباط والانتماء الأيدلوجي بحالة الإبداع والعلاقات الثقافية والإنسانية في الأسرة والقائمة على مثل الحرية ومبادئ الاختلاف. غير إن الوعي والحرص وامتصاص التوتر، ظل في ذهنية القوى السياسية والشخصيات الوطنية، بحيث لا تتطور الصراعات بأكثر من مظلة الأسرة وبحيث يتم احتواؤها بدلا من أن تتصرف بعض العناصر على هواها الشخصي وبمزاجها الأناني. وبما إن للأدباء مزاجهم وتكوينهم الخاص فان عنصري الاختلاف والوحدة ظلا دائما عنصري التجاذب والتماسك في داخل تلك العائلة الثقافية البحرينيةلأدباء شباب غالبيتهم كانت الوطنية والالتزام والتضحية شعارها الأسمى. قد تمر رياح مرعبة وقد تدخل البيت أفاعي لتفكيكه. وقد تأتي النصائح والألسن المريبة داعية الأسرة بالابتعاد عن «السياسة» والتدخل فيها ففي تلك الفترة كانت السياسة تعني للنظام والحكومة أموراً عدة أهمها نقد النظام سياسيا والتحريض ضده الانتماء لحركة ومنظمة سياسية محظورة والتعاطف مع توجهاتها وبرامجها تطويع وجر العمل الإبداعي والثقافي للحزبية الضيقة فلم يسمح هذا المناخ المتشابك حتى للأدباء «المعتدلين !!» بالتفكير في الاقتراب من حريق ونيران الأسرة . لم تمت الأسرة كمشروع تنويري وثقافي بسبب كل تلك الصراعات والاختلافات بقدر ما ظلت مظلة الأسرة للرعيل الأول 69 ـ 89 مكانا فسيحا للتعبير عن همومهم وأحلامهم كلما سنحت الفرصة فقد باتوا منشغلين بالوظيفة والعائلة والسن وما لها من تبعات عدة، ولكن القلب والضمير والوجدان والمشاعر بقت مسكونة في البيت الأول للإبداع. ستولد مجموعة من المبدعين مع الثورة الإسلامية ومجموعة مع انهيار جدار برلين ومناخ غزو العراق إلى الكويت وهبوب رياح الحريات والديمقراطية وبداية الانفراجات العالمية لهذا سنرى الخلفيات الفكرية المتنوعة للنسيج الثقافي المتشكل خلال العقود الأربعة فالرعيل الأول غلبت عليه المؤثرات الفكرية التقدمية والمناهج الإبداعية كالواقعية الجديدة والحداثة وما بعد الحداثة فيما سيتضاءل البعد الإيديولوجي والفكري والانتماءات المكشوفة للمنظمات اليسارية والتقدمية ’ إذ ستكون الأسرة بعد النصف الثاني من عمرها 1989 ـ 2009 مزيجا من الاختلافات والتناقضات ليس سياسيا وفكريا وحسب بل وبين الكاتب ونفسه فهو يميل إلى قراءة الإنتاج الحداثي المتطور ثقافيا ومعرفيا بينما مازال كمبدع واعد شاباً أو شابة في طور التشكل والاضطراب والحيرة والتساؤل والصراع العميق بين نظرتين للحياة كمن هو أكثر حداثة في الأدب والإبداع وأكثر تخلفا في الفكر والنظرية والسياسة. وبقدر ما تفرضه هذه المرحلة من التحولات في تاريخ البحرين فان مؤثراتها على الأسرة ومبدعيها سيدفع ليس للحوار والتأمل والتطور وحسب بل وبالبحث عن أسئلة أعمق للوجود والإنسان والمجتمع. واراني احرص على فكرة أن لا يتخلى الجيلان أو الرعيل الأول عن الثاني فالاحتكاك ونقل التجارب وخلق مناخات التفاعل يدفع بحركة الإبداع والأسرة إلى التقدم والأفضل من كل الجوانب فهناك فرص جديدة وعديدة وفرتها الألفية الثالثة للمبدعين الجدد لم تكن متوفرة على الإطلاق للرعيل الأول بل وللنواة المؤسسة لهذا الصرح الثقافي الجميل .
صحيفة الايام
8 نوفمبر 2009