توجهات البعض السقيمة والممقوتة نحو تعزيز الفرز المذهبي وطأفنة قضايا الشأن العام في بلادنا عن طريق الدعوة لمؤتمرات للطوائف والمذاهب على غرار ما يجري في أقطار مجاورة، باتت عملا وانشغالا يوميا دؤوبا لبعض الأفراد والجهات ممن لم تعد أفعالها ومراميها خافية على احد، وحان لمن يعنيهم الأمر بأن يقف بوجهها بحزم ومسؤولية، بعد أن سمح لها كثيرا بالمرور وتسميم أجواء بلادنا في أكثر من مناسبة، دون أن نجد لها ما يبررها ودون أن نجد لسكوتنا القاتل حيالها ما يمكن أن يشفع لنا بالتمترس عند حكمة واهمة أو طول بال أو حتى أي معنى لحرية تعبير.
تلك الدعوات التي خرجت علينا مؤخرا لا ترمي لتوريط أفراد أو جهات أو حتى طائفة بعينها، بقدر ما تهدف إلى توريط وطن بأسره والزج به في متاهات ترسمها فئات لن نقول إنها جاهلة ولكنها مغامرة ومقامرة بحق، فهذا الوطن تعايشت فيه تلك الطوائف والفئات والأعراق والمذاهب على مدى قرون، وأفصحت عن تاريخ من التسامح والانسجام، بما عرف عن هذه الأرض التي هي مهد للخلود والجمال والوئام الذي لا يعرفه من يمتلكون تلك النوايا الشريرة.
لن نكرر الحديث حول الكثير من محطات تاريخنا الوطني الحافل والعصي على فهم من لا يفقهون من الوطن سوى مكاسبهم الشخصية والفئوية الضيقة ونواياهم المريضة وجهلهم المدقع وحقدهم الدفين، وهم الذين أقحموا واقتحموا واجهة المشهد العام في غفلة من الزمن والناس، ليستمرؤوا العمل بكل ما تيسر لهم من أدوات ووسائل ومواقع وحصانات لتمزيق نسيجنا الوطني والضرب في مكتسبات شعبنا التي بنتها الأجيال المتعاقبة بكثير من العرق والمكابدة حتى صنعنا وطنا يصعب على أمثال هؤلاء العيش في حياضه بمحبة ووئام كما جبلنا أن نتعايش فيه هكذا على الدوام.
لن نستند على التاريخ وحده لنقول أن دعوات الطأفنة وتجيير النزعات المذهبية والعرقية لن تفلح أو لن ينجح من يقفون وراءها، طالما ارتضينا جميعا السكوت على ما يرمون إليه، وانطلاقا من تلك الحقائق التاريخية الماثلة أمامنا بكل ما تعنيه من رعب وتمزيق للكيانات الوطنية المختلفة، يصبح معها الركون إلى التاريخ وحده غير مجدٍ، طالما ترك أصحاب تلك النوايا المريضة ليلعبوا بالنار متى وأين شاؤوا، بل أنهم لا يتورعون عن تسخير ما يستطيعونه من إمكانيات ومن تجهيل، وأحيانا من تراجع للقيم والأخلاق أيضا، علاوة على ما يستشعرونه من تشجيع في بيئات أصبحت بالفعل حاضنة لتلك التوجهات، فإنهم حتما سيصبحون أدوات تدمير ومعاول هدم وهم المتلحفون على الدوام بعباءات الدين والدين منهم براء، وهم من يظهرون كذبا حرصهم الممجوج على مصالح الوطن.
فعلا، أسعدنا الرد المسؤول الذي سارعت إليه وزارة العدل ممثلة في وزيرها الشاب، وقد حملت مضامينه عدة رسائل لا يمكن لأحد أن يخطئها، منها أن مجرد السماح بمرور تلك الدعوات المريضة ومأسستها يعني القبول بضياع الهوية ومعها الحاضر والمستقبل لا سمح الله، لصالح تكريس المذهبية والمشاريع الطائفية، ولن يجني منها الوطن سوى الضياع في أتون الحقد والكراهية، كما أن السكوت على ذلك سوف يشجع تلك الأطراف المتربصة بنا جميعا للخروج من عباءتها لتجاهر علانية بتقسيم ما هو مقسّم أصلا لدى أولئك النفر دون خوف أو وجل أو حتى مجرد حياء. كذلك هي محاولة الزج باسم وسمعة رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني، فلم تكن خطأ غير مقصود، بقدر ما كانت ملعوبا كريها وثقيل الظل سارعت فطنة «أبو محمد» لتداركه سريعا. قبل أن يستفحل خطر تلك الجماعات يجب أن يقال لهم ولأمثالهم كفى ابعدوا عنا حقدكم وجهالتكم فلن نترك البحرين نهبا لنزعاتكم المريضة، فشعبنا أولى أن يعيش حرا متحابا ومتسامحا كما كنا دائما.
صحيفة الايام
8 نوفمبر 2009