يوم كانت فرنسا تعيش ربيع باريس الشهير في عام 1968 حيث ثورة الطلاب التي أجبرت الجنرال ديجول على الاستقالة، وقادت إلى «ربيعات» مشابهة في بقاع مختلفة من الأرض، قال الكاتب ادغار موران إن الثورة كانت في أحد وجوهها تعبيرا عن تمرد الشبان التواقين إلى الحرية. حينها ثار جدل طويل عن مفهوم صراح الأجيال، وعما إذا كان يمكن له أن يكتسب مثل هذا الطابع العنيف الذي اكتسبه في ربيع باريس رغم أن حججا قوية وقفت ضد هذا المفهوم من زاوية أن الصراع كان في جوهره تعبيرا عن تناقضات اجتماعية أعمق ليس بين الأجيال وإنما بين دعاة العدالة من جهة وخصومهم من جهة أخرى. وما يصح على فرنسا يصح على المجتمعات الأخرى بدون استثناء، ويبدو مفهوما أن طاقات الشباب هي الرافعة الحيوية لدعوات التغيير كما تدل على ذلك تجارب عديدة آخرها ما حدث مؤخرا في ايران، حيث كان الشبان والشابات هم القوة المحركة والفاعلة في المسيرات الحاشدة التي ملأت شوارع طهران، وهو ما يتكرر في بلدان عديدة، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أن التركيبة السكانية في البلدان النامية هي في غالبها تركيبة شابة، من حيث غلبة الشبان على سواهم ممن هم في المراحل العمرية الأخرى. بيد أن هذه الوقائع لا تحجب حقيقة ذلك التفاوت القيمي والسلوكي العميق بين الأجيال الجديدة والأجيال الأقدم، وهو تفاوت صائر إلى التعمق والتجذر لا إلى التلاشي أو الاضمحلال بسبب التطورات المذهلة في المعارف والعلوم ومناهج التربية والتعليم وتأثيرات وسائل الإعلام والاتصال، حيث لدى الأجيال الشابة أو الجديدة بالذات قابليات أكثر للتعاطي معها والتأثر السريع بما تضخه من مواد. وإذا كان مصطلح «صراع الأجيال» يثير قدراً كبيراً أو صغيراً من التحفظ لدى الكثيرين لأنه يشي بالعدائية والتنافر الشديد في الطبائع والميول بين أبناء الأمس وأبناء اليوم، مما قد يستدعي التفكير في تعبير أكثر ملائمة، فان ذلك لا يمكن أن يحملنا على تجاهل أن ثمة سوء فهم قائم بين هذه الأجيال. ففي الوقت الذي تبدو فيه الأجيال الأقدم متعالية في نظرتها لمن هم أصغر منها، وميالة للاعتقاد بأن هؤلاء تنقصهم الخبرة ولم تعركهم الحياة بعد في أتونها، وإن اهتماماتهم أبعد ما تكون عن الجدية، يبدو الجيل الجديد ميالا للشكوى من سطوة السلطة الأبوية التي يمارسها الكبار الذين لا يقدرون حق التقدير أن جيل اليوم ينشأ وسط معطيات حياتية وثقافية مختلفة جذريا عن تلك التي عاشها الآباء. وإن ثمة حاجة ماسة من الحرية والاستقلالية يجب أن تمنح لهذا الجيل كي يتدبر أموره بنفسه. وفي مجتمعات فتية قيد التشكل كمجتمعات الخليج لم تعبر برزخا طويلا وبطيئا من التحولات، وإنما شهدت قفزة سريعة واحدة من حال إلى حال تزداد هذه المسألة حدة. ثمة جيل جديد يتشكل وسط مؤثرات وقيم جديدة غير تلك التي عهدناها نحن، فما بالنا بمن هم أكبر منا، ولا يمكن الحكم على سلوك وتفكير هذا الجيل بالمعايير التي اعتمدناها نحن في الحكم على أنفسنا، ومن الناحية النظرية يبدو هذا القول سهلاً وجذاباً، لكننا عندما ننتقل إلى التطبيق سرعان ما نكتشف أننا أسرى التصرف الأبوي الذي شكونا من تعامل الجيل الأسبق معنا نحن أنفسنا عندما كنا شباباً.
صحيفة الايام
3 نوفمبر 2009