لا تحدث تغييرات ايجابية في حياة المواطنين، يظل الجمود نفسه وتتفاقم المشكلات. الخدمات الصحية والتعليمية والاسكانية والاعلامية والبلدية على أحوالها المتجمدة..
لقد وعدتنا الكتل الدينية السائدة بالقيام بتحولات كبيرة على صعيد المعيشة والخدمات، لكن أحوال التلوث البيئي والازدحام المروري والجمود المعيشي في تفاقم.
نحن نجمع هنا بين الخدمات والتحولات السياسية، بسبب ان هذه الكتل تجمع بين العضوية البرلمانية والبلدية، اي انها تمسك بأغلبية العمل الشعبي السياسي، وكلها ذات مرجعية دينية اسلامية، ولا تواجه تحديا مهما من الكتل السياسية الاخرى، أي انها قادرة على التوحد وتقديم مشروعات سياسية وخدماتية تغير هذا الجمود الذي نعيشه.
لكنها تحتفظ بحدودها الخاصة من دون قدرة على التعاون والتوحيد وتشكيل تيار سياسي فاعل.
وسوف يقال انهما كتلتان سنية وشيعية، وكل منهما له مرجعيته السياسية، فتيار يقول انه موال للنظام، وقريب من الحكومة، وبالتالي لا يقبل باحداث تحولات مثيرة للقلق في الصف الرسمي. في حين ان الآخر يقول انه ينتمي لقطاع شعبي متضرر من الاوضاع الاقتصادية الراهنة، وان لديه برنامجا، لكنه لم يحول هذا البرنامج الى تحولات، ونقد عميقة وصريح للوزارات المختلفة.
لا نظن ان التيار الديني الآخر سوف يرفض برامج سياسية معقولة لتغيير وضع الفوائض الحكومية المجهولة الحركة. ولوضع الشركة القابضة التي تمتلك الملايين، وللقيام بمراقبة دقيقة للشركات العامة وكشف أحوالها. لا نعتقد ان التيار الآخر سوف يمانع من هذا كله، فهو تيار ينتمي كذلك لهذا الشعب ويتحسس من نقد الناس له، ومن عدم نشاطه المرجو من ملاحقة الاخطاء، وتحريك هذا الجمود في الوزارات، وفي عدم وجود التخطيط، وفي انهمار القوى الاجنبية العاملة الى البلد الضيق والذي تتفجر شرايينه الداخلية من كثرة الزحام وضعف الخدمات وتبخر الرواتب الضعيفة!
ان الجمود السياسي للتيارين الرئيسيين في البرلمان يجعلنا نتساءل ما هي اسباب هذا؟ لماذا لا يوجد ابداع سياسي لهما؟
الا يريان المشهد العراقي السياسي وحراك الكتل المستمر وتداخلها وايجاد تحالفات جديدة وطنية تقفز على الهوة التي صنعوها بين السنة والشيعة؟
هل هذا يعود لعدم الثقافة وقلة القراءة والتعلم من التجارب السياسية ومتابعة تطور الاحزاب والقوانين؟
لم نقرأ فتوى دينية لهذه الكتل، لم نقرأ كتابا أو مقالة عميقة، فهل بهذا المستوى المعرفي نستطيع ان نمشي سياسيا على ارض ملغومة تحتاج الى عمق فكري ودهاء سياسي وبعد نظر وطني؟
واذ تشعر الكتل السنية بانفضاض الناس من حولها، وتساؤلاتهم الحادة بشأن ضعف أدائها السياسي، يشعر المواطنون الشيعة بأن الوفاق لم تقدم لهم بما ينتظر منها من حراك سياسي فاعل، ومن فتح الملفات الملتهبة، وتغيير أحوال الشعب في القضايا الكبرى على الاقل.
وما حراك بعض شباب القرى وعودة اسم حركة أحرار البحرين للأسلوب القديم نفسه سوى مؤشر على ان حركة المعارضة الشيعية التي يفترض منها تجميع قوى الحراك السياسي البرلماني من أجل قوانين واصلاحات مهمة، لم تقم بواجبها على الوجه المطلوب.
لتعترف الجماعات الدينية السياسية الداخلة في العمل البرلماني كلها بأنها ضعيفة سياسيا وانها مكونة من تضخم عددي، مع غياب النوعيات السياسية والاقتصادية المتميزة فيها، وهذا الضعف الكبير في مواجهة حكومة متمرسة، يضعف الاستقرار الاجتماعي الهش الذي نعيشه بين عولمة مقتحمة حتى في البيوت وبين جود اقتصادي مريع واتساع للهوة بين الاغنياء والفقراء.
لابد لهذه الكتل اذا ارادت ان تؤدي دورها بأمانة من التحول الجذري الداخلي، من القراءة والدراسة، ومن قيام التحالفات ومن الاستعانة بالكفاءات، ومن تجاوز العقلية المذهبية الضيقة والجمود السياسي الديني، ومن التقارب السياسي الوطني المنشود، فقد مل المواطنون من الانشقاقات والصراعات الجانبية، ويكفي لكم مثلا قيام البرلمانيين العراقيين بتوسيع التحالفات وتغيير البرامج مع وجود الاحتلال واستمرار المذابح وكثرة القوميات!
صحيفة اخبار الخليج
27 اكتوبر 2009