حسناً فعلت وزارة العدل والشؤون الإسلامية حين أصدرت أمس بياناً ردت فيه على بعض الدعوات الرامية إلى تكريس التقسيم المذهبي للجمعيات السياسية الإسلامية، عبر الدعوة للقاء للجمعيات السياسية السنية، وهو أمر يمكن أن تقابله دعوة مشابهة بعقد لقاء لنظيراتها الشيعية، ويكون العنوان في الحالتين هو تنسيق الجهود ومواجهة حال التشتت في صفوف جمعيات كل طائفة على حدة، الأمر الذي لا يمكن أن يفسر إلا على انه دعوة لمواجهة جمعيات الطائفة الأخرى. والحق أن التقسيم المذهبي للإسلام السياسي في البحرين، السني والشيعي منه على حد سواء، هو حقيقة موضوعية، لعدم تمكنها كسر بوتقتها المذهبية والانفتاح على مكونات المجتمع المختلفة، ولا علاقة للأمر هنا بحسن النوايا أو سوئها، وإنما هو نابع من الطابع المنغلق لمثل هذه التكوينات الذي يجعلها عاجزة عن أن تكون ذات تكوين متعدد، خاصة إذا أدركنا أن التعبئة المذهبية القائمة للانتصار لهذه الطائفة أو تلك هي جذر أساسي من جذور تكوين هذا النوع من الهيئات أو الجمعيات. صحيح أن الجمعيات الديمقراطية والوطنية والليبرالية متعددة هي الأخرى، ولكن مصدر هذا التعدد عائد إلى تنوع التوجهات الفكرية والمسارات التاريخية المختلفة لنشوئها، ولا علاقة له، لا من قريب أو بعيد بالانتماء المذهبي والطائفي، فهذه الجمعيات على تعددها تتسع لكافة مكونات المجتمع البحريني الاثنية والمذهبية والاجتماعية. وغاية القول إن من يدعون للقاء للجمعيات السياسية السنية لا يؤسسون لتقسيم غير قائم. هذا التقسيم موجود فعلاً، ولكن خطورة هذه الدعوات تكمن في أنها ترمي إلى إضفاء المشروعية والطابع المؤسساتي للمواجهة ذات الطابع المذهبي والطائفي لا بين الجمعيات السياسية وحدها وإنما بين الطائفتين. ومرة أخرى نستدرك فنقول إن هذا الطابع المؤسساتي للمواجهة بين تمثيلات الطائفتين المذهبية قائم هو الآخر، ولكن بصورة مواربة أو خفية بعض الشيء، أو فلنقل خجولة إلى حدٍ ما، ربما لأن الكثيرين لايزالون يجدون حرجاً في الإفصاح عن هذا النوع من الاستقطاب، ويفضلون مداراته بخطاب عمومي من نوع: “كلنا في الإسلام أخوة”، أو ما شابه من شعارات لا تنفي الانقسام القائم، الذي من مصلحة الكثيرين أن يتعمق ويتوطد إمعاناً في حجب الطابع الاجتماعي للصراع، واستبداله بطابع مزيف هو الطابع المذهبي أو الطائفي. من دعوا للقاء الجمعيات السنية، وهي دعوة قد تستبع دعوة مشابهة على الضفة الأخرى كما قلنا، يريدون إسقاط المسكوت عنه في هذا المجال، وجعله معلناً، فتغدو مسألة المواجهة بين الطائفتين امراً مستساغاً ومألوفاً وطبيعياً، ومن هذه الزاوية نجد أن الإشادة واجبة بما قاله بيان وزارة العدل من أن الجمعيات السياسية تعمل على تنظيم وتمثيل المواطنين بصفاتهم كمواطنين وليس بذواتهم أو تصنيفاتهم الدينية أو الطائفية. وحسناً فعلت الوزارة، كذلك، حين ذكرت بنص المادة الثانية من قانون الجمعيات القائل: “ولا تعتبر جمعية سياسية كل جمعية أو جماعة تقوم على محض أغراض دينية”. كما إن الإشادة واجبة بالاستدراك الذي قدمه رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني حول ما نسب إليه بهذا الخصوص حين قال إن المقصود خطاب عام وشامل يهدف لحاجة الوطن لتعاون جميع أبنائه وقواه السياسية والفعاليات المختلفة للعمل من أجل المصلحة العامة.
صحيفة الايام
27 اكتوبر 2009