صاغ باحث أمريكي قولاً مفاده إن اليابانيين اعتادوا التطلع إلى الخارج بحثا عما يمكن أن يتعلموه، بينما اعتاد الأمريكيون من رجال الأعمال أن يعلموا باقي دول العالم، وفي ذلك يجدون من الصعب عليهم الظهور بمظهر التلميذ، حتى لو أدت تلك اللامبالاة أو الرفض للنجاحات الأجنبية إلى حرمانهم من دروس نافعة. والباحث صاحب هذه الخلاصة هو إ. ف. فوجل، وكان قد وضع كتاباً عن اليابان اسماه: »المعجزة اليابانية«، وصدرت ترجمة له إلى اللغة العربية في سلسلة الألف كتاب الثاني التي تشرف عليها الهيئة المصرية العامة للكتاب. وضمن كتابه فصل عنوانه: »مرآة لأمريكا« حث فيه أبناء وطنه للاتعاظ بالتجربة اليابانية، لأنه يرى أن المؤسسات الجديدة في بلاده، أمريكا، نشأت ونمت شيئا فشيئا دون أي تصور فلسفي شامل لمدى الاحتياج إليها، أما المؤسسات اليابانية فقد مرت خلال الأعوام الأخيرة بعمليتين رئيسيتين واضحتين لإعادة الفحص والتقييم لتقرير أيهما تحتاج إليه الدولة. ففي عام 1868 بدأت اليابان دراسة على مدى عقدين من الزمن لأفضل المؤسسات والنظم العالمية في كل قطاع: القطاع الحكومي وقطاع الأعمال والتعليم والفنون والآداب والقطاع العسكري، ومرة أخرى قامت اليابان في أعقاب الحرب العالمية الثانية بتوجيه من قوات الحلفاء المحتلة لها بعملية أساسية لإعادة بناء مؤسساتها كيما تكون أكثر ديمقراطية وأكثر فاعلية. ومن بين الأسباب التي يسوقها الرجل لكي يبرر لماذا يريد للأمريكان أن يروا في اليابان مرآة لهم، هو اعتماد هذه الأخيرة على تقاليدها العريقة بشكل خلاق في تطويع النظم الأوروبية بطرق جديدة ومختلفة لتوائم ظروفها. وهذه المراجعة تندرج تحت عنوان سؤال مهم يثيره الكاتب وهو: هل يمكن لدولة غربية أن تتعلم من الشرق؟! انه سؤال شجاع، لأنه من النادر أن يطرح في الغرب الذي يرفض أن يكون في دور التلميذ، كما يلمح المؤلف ويفضل دائما دور المعلم، أن يطرح هذا السؤال على نفسه. ورغم أن دوافع الباحث، بصفته أمريكياً، تبدو براغماتية حين يدعو للتعرف على جوانب التفوق والنجاح في التجربة اليابانية لكسب المنافسة التجارية والاقتصادية عامة معها، ألا أن مجرد طرح السؤال بهذا الشكل الجلي ينطوي على جرأةٍ ما، رغم انه يقلل من حدة سؤاله هذا حين يقول انه يتعين على الأمريكان قبل دراستهم للنموذج الغربي، أن يجيبوا على السؤال الذي يطرحه الكثيرون من اليابانيين أنفسهم، وهو: ما إذا كان النموذج الياباني الذي برز في العقود القليلة الماضية سوف يحتفظ بفعاليته حتى في اليابان نفسها. وهو سؤال وجيه، لكن الكاتب في كل الأحوال يجد أن من بين أشياء كثيرة تتعلمها أمريكا من اليابان هو خلق الإحساس بالجماعة، عبر إيجاد سياسات جديدة تلائم عصر ما بعد التصنيع تلبي احتياجات مختلف الجماعات باليات تحافظ على التماسك الاجتماعي. انه يقول ذلك وفي ذهنه أن مجتمعه الأمريكي غارق في الفردية الطاغية، وان في الشرق من الدروس ما يمكن تعلمه.
صحيفة الايام
26 اكتوبر 2009