قبل نحو عامين أو أكثر علقت المذيعة العراقية المتألقة داليا العقيدي في برنامج سياسي جمع العديد من الأطياف والتيارات السياسية العراقية في حوار على طاولة فضائية «الحرة» بالقول: «جميع التيارات موجودة في العراق.. عدا التيار الكهربائي!». ضحك جميعهم، وربما المشاهدون أيضاً، على هذا التعليق الذي يحمل أكثر من دلالة. بدأ الحوار، أو النقاش وعلى الفور بدأت المعارك الكلامية التي لا تخلو من تبريرات بعلو الصوت والنبرة في الدفاع والدفاع المضاد بين «السالب والموجب»، ليس في التيار الكهربائي الذي يعمل بـ «الجنريتر» آنذاك في العراق، بل بين تياراته المتصارعة بأجنداتها.
تذكرنا هذه الطرفة من خلال متابعاتنا لفشل البرلمان العراقي بتعقيداته حتى الآن في الاتفاق على القانون الذي سيحدد طريقة إجراء الانتخابات المقبلة المقررة في 16 يناير/ كانون الثاني، ما أثار مخاوف بخصوص احتمال تأجيلها، وكذا الحال بالنسبة إلى التشكيلات الانتخابية التي بدأت تخرج من تربة العراق مثل «الثِّيل»، كلما تقطع منه شيئاً يزيد كثافة، بينما جل هذه التيارات ما فتئوا يدّعون «براءة ذمة» من المحاصصة الطائفية التي أصابت العراق في مقتل، في حين أن التيارات الوطنية التي بح صوتها من كثرة ترديد شعارات: «لا للطائفية.. لا للمحاصصة بها.. نعم للمواطنة المتساوية»، خسرت بمنطقها العقلاني في إنقاذ ما يمكن إنقاذه للتوجه صوب الديمقراطية الحقيقية، في زمنٍ يرفض المخاطبة بالعقل على الغوغاء العاطفية التي تصب في النهاية في مصب واحد، هو مجرى الطائفية المقيت على حساب الوطن الأم.
لا أحد يعرف على وجه الدقة ضمن تعقيدات العراق، إذا كان الكل حريصاً على نجاح الديمقراطية الوليدة في الاختبار بعد أعوام من القتل والدمار، فلماذا التأخير في تسوية الخلافات بشأن قانون الانتخابات الجديد؟ وهل الهدف من هذه العراقيل اللجوء إلى استخدام قانون العام 2005 «كملاذ أخير» للالتزام بالموعد المحدد للانتخابات في 16 يناير/ كانون الثاني لأنه الأوفر حظاً للمتحاصصين؟
صحيفة الوقت
23 اكتوبر 2009