فعلت لجنة جائزة نوبل ما فعلته مراراً. فاجأت العالم بفائزة مغمورة للجائزة، وستفعل الجائزة للفائزة الكاتبة هيرتا مولر ما فعلته لكثيرين سواها، أي منحهم الشهرة، وتمكينهم من أن يصبحوا مقروئين بلغات الأرض كلها.
تسير الأمور عكس القاعدة التي يفترض أن تتبع، فبدلاً من أن يَصنع الأديب، أو الأديبة، شهرة كبيرة له تلفت نظر لجنة الجائزة إليه، فإن الجائزة هي من يمنح الشهرة لمن ينالها، كأن مجد الكاتب الحقيقي لا يبدأ قبل منحه الجائزة، كما هو الحال مع غابرييل ماركيز مثلاً وإنما من تاريخ منحه إياها.
ماركيز لم يكن الوحيد الذي لم يكن بوسع لجنة الجائزة تجاهل اسمه، فالأمر ينطبق على برنارد شو مثلاً وعلى سارتر، والاثنان، كما هو معلوم، رفضا قبول الجائزة بعد أن أعلن فوزهما بها. وقال شو قولته الشهيرة: “إنها تشبه طوق النجاة الذي يتم إلقاؤه لأحد الأشخاص بعد أن يكون قد وصل إلى الشاطئ”.
هيرتا مولر كانت من الصنف الثاني، الذي لا ينطبق عليه قول سارتر، فالجائزة هي التي ستأخذها إلى العالمية، وهي المنتسبة إلى أقلية ألمانية كانت تعيش في رومانيا تشاوشيسكو، الذي لم تزحه عن السلطة ثورة مخملية كتلك التي أطاحت بالحكم الاشتراكي في براغ وبودابست، وإنما بانتفاضة مسلحة، ما كان لها أن تنتصر لو لم يطلق الرصاص في صدره وصدر زوجته، التي كانت الساعد الأيمن، أو الأيسر له، لا يهم.
لو لم تكن الحرب الباردة قد انتهت لقيل بأنها منحت الجائزة كونها مناهضة للشيوعية، تماماً كما قيل في حالتي الروسيين باسترناك وسولجنستين، لكن من وجهة نظر أكثر عمقاً علينا القول بأن الحرب الباردة لم تنته بعد على الجبهة الفكرية ولن تنتهي. ويمكن القول، بقليل أو بكثير من التحفظ، إن لجنة نوبل أرادت مكافأة الكاتبة على دور سابق أصبح في ذمة التاريخ، خاصة وأن المرأة فرت إلى ألمانيا قبل سقوط جدار برلين بعامين.
لم تكن الهجرة ملاذاً لها، فقد واجهت ما واجهه السابقون لها واللاحقون من الفنانين والمثقفين الذين هربوا إلى الغرب، فلم يجدوا سوى الاغتراب. بعض من كتبوا عن رواياتها بعد فوزها قالوا إن مولر هربت في أعمالها الأخيرة من عالمها الجديد “الحر” إلى العالم الذي هربت منه أصلا بحثا عن الحرية.