على مدى أكثر من ثلاثة أسابيع ومنذ تفجر قضية إعادة هيكلة شركة (البا) قرأت معظم التصاريح والمتابعات المتعلقة بهذه القضية والتي جاءت من أطراف ثلاثة رئيسية كان أولها تصريحات رئيس مجلس الإدارة محمود الكوهجي، والتصريحات المتواترة لرئيس نقابة الشركة علي البنعلي وكذلك تصريحات الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين. بعض تلك التصاريح اتسمت إما بالغموض أو المواربة على أحسن تقدير بخصوص قضايا بقيت تائه في زحمة الحدث، خاصة فيما يتعلق بعزم الشركة إغلاق خطي الإنتاج الأول والثاني واستبدال ذلك بحسب “الكوهجي” بتطوير خطي الإنتاج الرابع والخامس وبعد أن يتم تشغيل الخط السادس، الأمر الغامض في هذه الجزئية بالضبط هو مصير العمالة البحرينية في الخطين المراد إغلاقهما، حيث لم نسمع حتى الآن ردا شافيا من قبل مجلس إدارة الشركة يفيد بنقل تلك العمالة مثلا لخطوط الإنتاج المراد تطويرها،على الرغم من التطمينات التي قدمت للنقابة واستفسارات إتحاد العمال، باعتبارهما حائط الصد المباشر عن مصالح العمالة البحرينية في هذه الشركة وغيرها. نتوسم في مجلس إدارة الشركة أن يعي انعكاسات إعادة الهيكلة على مصالح عمالتنا الوطنية، خاصة وان نموذج إعادة الهيكلة هذا أصبح مرشحا لتعميمه على شركات كبرى أخرى، ويقينا فان العاملين في (البا) وبقية تلك الشركات المنتظرة لقدرها، باتوا يضعون أيديهم على قلوبهم منذ الآن توجسا لما قد تسفر عنه أية قرارات متسرعة لا سمح الله بالنسبة لمستقبل شركاتهم، وسط ما يدور من أحاديث عن تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، كما أن هذا الأمر يجب أن لا يترك لقرارات ودراسات شركة مكنزي أو غيرها، التي هي في الأساس شركة استشارية قد تخطىء وقد تصيب في تقديراتها! وإنما يجب أن يُخضع أي قرار على هذه الشاكلة لدراسته بشكل يستوفي كافة الإنعكاسات الاجتماعية والاقتصادية. فنحن لن نطمئن أبدا لإجراءات إعادة الهيكلة ما لم يُجب مجلس إدارة الشركة على التساؤلات والمخاوف المطروحة بالنسبة لمستقبل العمال وتوجهات الشركة المستقبلية بدلا من تقديم الوعود واعتماد حسن النوايا. ولن نستكين أو حتى نعول على سياسة التطمينات القائمة حاليا، وبدلا منها يجب أن تتم الإجابة بطريقة علمية وموضوعية صريحة تقول لنا كيف سيتم استيعاب العمالة البحرينية الموجودة الآن في الخطين الأول والثاني، وماذا بشأن امتيازات العاملين فيهما في ظل مشروع إعادة الهيكلة الذي بدأ بالفعل، بل وما هو مستقبل الشركة والعمال والدور المنتظر للشركة في الاقتصاد الوطني. بطبيعة الحال لسنا في وارد إعاقة برامج التطوير أو خطط إعادة هيكلة الشركة التي اسماها نقيب العمال بالمترهلة وهي بالفعل كذلك، بعد أن تعاقبت عليها الكثير من مجالس الإدارات والقيادات الإدارية والميدانية ودخلت في أوضاع تنافسية جديدة وسط موجات الكساد العالمي التي تجتاح الأسواق العالمية، فهذا أمر طبيعي بل مطلوب وبشدة في أي من شركاتنا ومؤسساتنا الوطنية، لكن ما يرعبنا حقا هو الحديث المستمر عن تخفيض العمالة في بعض مرافق الشركة الرئيسية بنسبة تصل 50% وما يدور من أخبار حول التوجه لخصخصة الشركة، والتي يجري تسريبها وتسويقها وكأنها المخرج الوحيد المتاح أمام خبراء شركة مكنزي لإعادة “البا” للربحية وتعزيز الإنتاجية. من المفيد القول أن نقاشات الفصل التشريعي الأول لمجلس النواب كانت قد أظهرت الكثير من العيوب والفساد والمحسوبية التي أبعدت الشركة لعقود ثلاثة عن أي إسهام حقيقي في إيرادات الدولة، بسبب ما أسمته الحكومة آنذاك بتدوير الأرباح في بناء خطوط الانتاج الجديدة! وهي حتما ليست مسؤولية الإدارة الحالية لوحدها، بل هي خلاصة ركام مجالس وإدارات عايشتها الشركة والعاملين فيها طيلة العقود المنصرمة، حيث تم السكوت طويلا على مواطن فساد كبرى دون أدنى محاسبة. بعد تلك العقود من الإهمال، ليس عدلا أن يتم البحث الآن عن حلول متسرعة ومسلوقة يتم تقديمها كوصفات إنعاش لجسد أنهكته قوى الفساد، من دون أن نعرف إلى أين سيتم الاتجاه مجددا بهذه الشركة الهامة التي باتت مسئولة عن إعالة أكثر من ثلاثة الآف أسرة بحرينية، فقبل أي مغامرة غير محسوبة يجب القول بصوت مجلجل لخبراء مكنزي ولمجلس إدارة الشركة … العمال خط أحمر يمنع الاقتراب منه!
صحيفة الايام
18 اكتوبر 2009