المنشور

خيار ثابت .. !


لم يعد هناك مفر من الإفراج عن مشروع الديوان المستقل للرقابة الإدارية بعد أن أكد صاحب الجلالة الملك في خطابه السامي الأخير على أهمية إنجاز هذا المشروع للابتعاد عن القرارات الفردية ومعالجة الفساد الإداري في أجهزة الدولة الرسمية. من المهم أن نلاحظ أن ذلك ليس المرة الأولى التي يضع فيها جلالة الملك يده على الجرح ليعبر عن الرغبة ويؤكد على الحاجة للتصدي للفساد الإداري والوصول الى مواطن الخلل والانحراف في بعض الأجهزة الرسمية، ويدعو الى إنشاء ديوان مستقل للرقابة الإدارية يكمل الجهود التي يبذلها ديوان الرقابة المالية، لأن الإدارة الكفوءة النزيهة في أي دولة هي القادرة على العمل والإنجاز، فهي الذراع التنفيذية للسلطة في أي دولة، وهي التي ترتكز عليها مقومات الدولة، ويتوقف على كفاءتها ونزاهتها وحسن أدائها وحيويتها استقرار الدولة وتطورها.

من المهم أن نلاحظ ذلك، بقدر ما يهمنا أن نلاحظ أيضاً أن الرؤية الاقتصادية للبحرين 2030 التي باتت الدولة تتبناها مستهدفة إحداث نقلة وتطوير نوعيين في أداء المؤسسات الحكومية والقضاء على البيروقراطية ومظاهر التسيب والاتكالية والمحسوبية عبر إحداث قفزة ملموسة في السياسات والقرارات والإجراءات الحكومية الخاصة بخدمات المواطنين وبجذب المستثمرين من الخارج والداخل، وتعزيز ثقتهم في بيئة الأعمال والاستثمار يفرض جعل محاربة الفساد المالي والإداري، وتفعيل آليات مواجهته عبر إنشاء ديوان الرقابة الإدارية في صدارة الأولويات القريبة جداً.

اذا ما لاحظنا ذلك، واستذكرنا أن جلالة الملك في خطابه السامي في 16 ديسمبر 2005 قد وجه حينذاك الى إنشاء ديوان مستقل للرقابة الإدارية من رؤية أكد عليها جلالته وهي “تعزيز الكفاءة والنزاهة في أعرق وأقدم إدارة حكومية”، اذا ما لاحظنا كل ذلك، فإن السؤال المهم الذي يفرض نفسه: كم مرة سنحتاج للتأكيد بشكل صريح وواضح لا لبس فيه ولا غموض على أهمية إنشاء ديوان للرقابة الإدارية ومكافحة الفساد الإداري حتى يخرج مشروع هذا الديوان إلى النور؟ وطالما اجتهدنا بطرح هذا السؤال، لا لكي نفتح ملف مشروع الديوان والإصلاح الإداري برمته، وإنما لكي نلح على إغلاقه، وما دمنا نؤكد على ذلك، فلا بأس أن نذكر لمن يميل الى النسيان فلعل الذكرى تنفع، نذكر أن الأصل في مشروع ديـوان الرقابة الإدارية هو ميثاق العمل الوطني، الذي أطلقه جلالة الملك وأيده الشعب ليكون المرجعية في مسيرة العمل الوطني وركيزته فهو الذي قضى بإنشاء الديوان ونص عليه في الفصل الثالث وحدد أهدافه في: “تغيير فكر الإدارة العامة، وإحكام الرقابة على الاستغلال الأمثل لموارد ومرافق الدولة، والتحقق من التزام كافة العاملين لقيم وأخلاقيات وسلوكيات العمل بما يحقق الكفاءة والإنتاجية في الحكومة، ويضبط الانحرافات والتجاوزات والخروقات للقوانين والأنظمة في قضايا الفساد الإداري والممارسات الخاطئة للأجهزة التنفيذية “.

لقد بدا واضحاً أن المشروع منذ ذلك الوقت مر بكثير من التعقيد والجمود والتسطيح والتمييع والتعطيل، وأن هناك من بدا أنه يضع العصى في دواليب هذا المشروع، بل ظهر من سوّغ لنا عدم الحاجة الى قيام ديوان مستقل للرقابة الإدارية ودفع باتجاه تقزيم المشروع ليكون مجرد إدارة تابعة لديوان الخدمة المدنية وهي مفارقة لا تخفى على ذوي الحصافة.

سنكتفي هذه المرة بهذا القدر من التذكير، ولكن من المهم التنويه أن الرسالة الواردة في خطاب الملك واضحة تفرض على الجهات المعنية أن تفهمها وتتبناها وتعتبرها أنها توفر أرضاً صلبة تمنح الفرصة ليس فقط للإفراج عن مشروع ديوان الرقابة الإدارية والابتعاد عن القرارات الفردية، وإنما أيضاً جعل مكافحة الفساد خيار ثابت ومسار لا يتوقف. بقي على من يعنيهم الأمر، خاصة في الحكومة والنواب ومجلس التنمية الاقتصادية أن يسارعوا الى تفعيل دورهم في هذا الخصوص حتى لا يفتحوا المجال لأي تفسير يذهب في غير اتجاه!!.


 
صحيفة الايام
17 اكتوبر 2009