من ضمن فعاليات الاسبوع الماضي الثقافية التي حرصت شخصيا على حضورها المحاضرة القيمة التي ألقاها في المنتدى الثقافي الأهلي الأخ الصديق مهدي عبدالله بعنوان “الترجمة في البحرين” والتي تناول فيها شذرات من جذور حركة الترجمة في البحرين خلال تاريخنا المعاصر حتى يومنا هذا، ملقيا الضوء سريعا على أبرز واشهر المترجمين البحرينيين من المجالات الثقافية المختلفة. كما استعرض المحاضر سيرة تجربته الذاتية مع الترجمة بدءا من ترجمة المقالات السياسية الصحفية منذ عام 1987، ومرورا بترجمة كتابي مذكرات بلجريف، وساحل القراصنة للمؤلف نفسه، ثم ترجمة الأعمال القصصية لمشاهير القاصين الاجانب، وليس انتهاء ربما بترجمة مقالات علي أكبر بوشهري من الـ “جلف ميرور” في “الأضواء” ثم “أخبار الخليج” في زاوية تحت عنوان “نكهة الماضي” ثم ترجمة التقارير السنوية لحكومة البحرين في الزاوية نفسها التي مازالت تنشرها أخبار الخليج تباعا.
وقد ألقيت على هامش المحاضرة مداخلة مختصرة اسهاما مني في اثراء موضوعها، وقد حددت في المداخلة ست نقاط لتطوير الترجمة العربية معتمدا في ذلك على مقال للدكتور جابر عصفور بعنوان “نحو مشروع قومي للترجمة” حدد فيه النقاط الست لتطوير الترجمة العربية، واعيد استعراضها تاليا بشيء من التفصيل والإضافة:
1- ينبغي عدم الارتهان إلى ترجمة اصدارات اللغات الاوروبية وعلى وجه الخصوص الانجليزية والفرنسية، في حين ثمة لغات اخرى اوروبية مهمة كالاسبانية والألمانية والايطالية تكاد الترجمة من أي منها معدومة، ناهيك عن اللغات الآسيوية الاخرى كالصينية والهندية واليابانية والفارسية والتركية والاوردية هذا إلى جانب اللغات الافريقية وغيرها.
2- ان يكون للمترجم موقف فكري وثقافي فيما ينوي ترجمته، فالترجمة بما انها فعل ثقافي حضاري ينبغي ان تنحاز إلى كل ما يؤسس لافكار التقدم ويسهم في اشاعة العقلانية وفتح افق التجاوب الانساني الخلاق واحترام التعدد الثقافي في العالم وهويات الشعوب الخاصة.
3- عدم التقوقع في مجال واحد في حركة الترجمة، كالتركيز في الأدب والانسانيات والعلوم الاجتماعية من دون الالتفات إلى المجالات الاخرى كالعلوم التطبيقية، وعدم ربط مفهوم الثقافة بالادب، كأن المجالات العلمية لا تدخل في مفهوم الثقافة.
4- أهمية ترجمة الاصول المعرفية، فهناك كتب عظيمة في هذه الثقافة العالمية لا يمكن تجاهلها كالموسوعات العالمية المشهورة. كما ينبغي ترجمة الاعمال المشهورة لكبار الفلاسفة، بدءا من افلاطون وانتهاء بفلاسفة التفكيك، وينبغي أن تضطلع حركة الترجمة المعاصرة بمهمة مزدوجة بحيث تصل ما بين تراث الانسانية القديم والوسيط ومنجزاتها المعاصرة.
5- ضرورة الترجمة عن لغة الأصل مباشرة، والتقليل من ترجمة الأعمال المكتوبة باللغة الوسيطة، كالانجليزية والفرنسية، المترجمة بدورها من لغات اخرى كالروسية والايطالية والاسبانية واليونانية. فكل ترجمة هي فعل من أفعال التفسير والتأويل، ناهيك عن تصرف المترجم بالحذف أو الاختصار في النص المترجم.
6- أهمية قومية الجهد أو الاعمال المترجمة على صعيد الوطن العربي بأكمله، وهذا لن يتحقق إلا بوجود خطة قومية لمشروع قومي للترجمة يوظف الخبرات الثقافية المتعددة المبعثرة على امتداد الاقطار العربية بغية التنسيق الذي يصبو إلى التكامل بتنوع الاختصاصات وإحياء الخطة القومية التي دعت إليها حلقة دراسية من الترجمة في الوطن العربي عقدت في الكويت سنة 1973 والتي لم تترجم هذه الحلقة نفسها إلى حيز الواقع حتى يومنا هذا.
وما أود أن أضيفه في سياق هذا المبدأ السادس الأخير من المبادئ الستة الانفة الذكر التي حدّدها الدكتور جابر عصفور ان التخطيط لمشروع قومي للترجمة “من خلال إقامة جهاز تنسيق على صعيد العالم العربي يتولى وضع خطة قومية للترجمة بالاشتراك مع الاجهزة الوطنية وبالتنسيق مع المنظمات الدولية والمؤسسات العلمية الاجنبية المعنية بالثقافة العربية”، على حد تعبير الدكتور عصفور نفسه، لمن شأنه أيضا منع تبديد الجهود الضائعة في أعمال الترجمة المتكررة للكتاب الأجنبي الواحد من قبل أكثر من مترجم في عدد من البلدان العربية أو كما يحدث في غير قليل من الاحيان داخل حتى القطر العربي والامثلة على ذلك أكثر مما تحصى وتعد.
كما من الاهمية بمكان – في تقديري – ان يكون هنالك جهاز رقابي فاعل لتقييم مستوى الترجمة بحيث لا يجاز النص المترجم للنشر إلا بعد اعتماده من ذلك الجهاز الرقابي، إن على مستوى الدولة العربية او على المستوى القومي.
بيد ان أعمال الترجمة المطبوعة الركيكة المستوى يمكن اعادة ترجمتها ترجمة رفيعة المستوى ولا تدخل في ظاهرة التراجم المتكررة، بمعنى إذا ما تصدى بعض المترجمين العرب الموهوبين من ذوي الكفاءات لإعادة ترجمة مؤلفات أجنبية سبق ترجمتها الى العربية ترجمة ركيكة فهذا عمل يستحق التشجيع والثناء، ولا يعيب المترجم الكفؤ الموهوب، فلربما أسهم بذلك في حفز ذوي التراجم الركيكة الضعيفة المستوى إلى تطوير قدراتهم في الترجمة او التوقف والانسحاب من حقل الترجمة ماداموا غير قادرين على تطوير مهاراتهم وقدراتهم اللغوية في أعمال الترجمة.
وثمة نقطتان اخريان لم يتسع لي الوقت لطرحهما ضمن المداخلة التي القيتها في المحاضرة، لعل من المفيد طرحهما في هذه العجالة:
النقطة الأولى: تتعلق بما ذكره الدكتور جابر عصفور في النقطة الخامسة من نقاطه الست المتقدم ذكرها عن حاجتنا إلى تنويع أعمال الترجمة من لغات متعددة لا تقتصر على اللغتين الانجليزية والفرنسية. فإذا كان الدكتور عصفور قد أشار إلى الفارسية كمثال من امثلة اللغات المغيبة في اعمال الترجمة فانني احسب أن بلداننا الخليجية العربية في مقدمة البلدان العربية التي هي بحاجة ماسة إلى الاهتمام بتعليم ودراسة اللغة الفارسية توطئة لتأهيل كادر من المتعلمين الملمين بها للانخراط في ترجمة الأعمال التاريخية والتراثية والادبية والعلمية مما تزخر به الثقافة والحضارة الفارسيتان من روائع ابداعية وعلمية قيمة مفيدة.
النقطة الثانية: تتصل بواحد من الكوابح التي تعوق حركة الترجمة في بلادنا العربية وتتمثل في مدى مساحة الديمقراطية وتحديدا هامش حرية التعبير والنشر في كل بلد عربي، فكلما تقلص هذا الهامش انعكس ذلك سلبا على نشاط وفاعلية حركة الترجمة والعكس صحيح.
ولعل ما تطرق إليه المحاضر من واقع ما تعرض له من معاناة شخصية بحذف فقرات من مذكرات بلجريف حينما كان يكتبها على حلقات في احدى المجلات الاسبوعية أواخر ثمانينيات القرن الماضي، ثم تعرضه لحذف بعض الفصول والفقرات بعدئذ من الكتاب الذي أصدره في مطلع تسعينيات القرن نفسه لهو خير دليل على ذلك. ولا شك ان صدور كتب ناقصة مثل هذا الكتاب المترجم بهذه الشكلية التشويهية هي من خيانات الترجمة التي يتحملها المترجم العربي تارة أو تتحملها السلطة العربية الرقابية تارة أخرى.
صحيفة اخبار الخليج
11 اكتوبر 2009