المنشور

هل نحرث في البحر .. ؟!

يبدو أن البحرين لا تحارب آفة الفساد كما يجب في قطاعها العام والخاص على حد سواء، وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزته البحرين في التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2009 والصادر مؤخراً والذي وضع البحرين في المرتبة الرابعة عربياً في الدول الأقل فساداً، والمرتبة 43 على المستوى الدولي متقدمة بثلاث مرتبات مقارنة بالعام الماضي. على الرغم من ذلك، فإن ملف الفساد سيظل يبقى أحد أهم وأخطر الملفات التي يفترض أن نتعاطى معها بمنتهى الجدية والحسم والسرعة، خاصة اذا كانت الدولة عاقدة العزم حقاً على تطبيق الرؤية الاقتصادية للبحرين 2030 التي بات الكل – من له علاقة ومن ليس له علاقة – يدعي وصلاً بها والتزاما بمبادئها ومحاورها وأهدافها، فالرؤية كما هو معلوم تركز ضمن ما تتبناه على اصلاح حال الإدارة الحكومية ومحاربة الفساد، وهي مهمة ومسؤولية لاشك أنها معقدة ومتداخلة في أمور واعتبارات وحسابات كثيرة، ولكننا كما قلنا تبقى واجبة الى درجة أن تصبح أمراً مقدساً من منظور ديني واخلاقي واجتماعي وسياسي، ولن يكون بمقدورنا تطبيق تلك الأهداف والمبادئ والمحاور اذا لم تكن هناك أساسًا رؤية حقيقية تجاه هذا الملف الذي لم يولى حتى الآن حقه من الاهتمام. نعود الى تقرير منظمة الشفافية الدولية الذي كان محوره هذا العام “الفساد في القطاع الخاص” وهو التقرير الذي ستحتفي الجمعية البحرينية للشفافية بإطلاقه يوم الاثنين القادم، هذا التقرير تناول الفساد وتجلياته في قطاع الشركات الوطنية والعالمية والمتعددة الجنسيات، وهو يكشف بأن العالم ينفق ما بين 20 و 30 مليار دولار سنوياً على الرشاوى في القطاع الخاص في العالم، واصفاً الفساد بالمشكلة المعقدة وأن المدمرة في قطاع الأعمال أن محاربته تعتبر أكبر تحدٍ بالنسبة للشركات، كما اعتبر الرشوة بأنها ليست سوى وجه واحد من الفساد في الشركات، وفي الوقت الذي حذر التقرير من مسائل عدة مترابطة منها المحسوبية والعلاقات المشبوهة بين الملاك واعتبر ذلك من أسوأ أنواع الفساد، ويشير الى الفساد داخل الشركات مما يضر بالأداء والحسابات، ويتطرق الى الفساد في الأسواق مما يؤدي الى تغييب العدالة في المنافسة والأسعار، فإنه أيضاً ينبه من مخاطر الفساد في لوبي الشركات التي قد تنقلب الى فساد قانوني يؤثر في مسار عمل الحكومات ويخلق مخاطر على البزنس بشكل عام. ويلفت التقرير الى قضية غائبة عن أذهان الكثيرين هي الشفافية والحوكمة في صناديق الثروات السيادية حول العالم، ويقول إن سرعة نمو هذه الصناديق في الأعوام الخمسة الماضية غيّر الخريطة العالمية لملكيات الأصول، وجعل عدداً من الأسواق الناشئة لاعبين مؤثرين في الأسواق المالية العالمية، وينبه التقرير وهنا بيت القصيد الى ضآلة المعلومات المتوافرة عن السياسات الاستثمارية لهذه الصناديق وضعف هيكليات حوكمتها، ويذكر بأن النرويج والإسكا هما فقط يصدران تقريراً محاسبياً مدققاً وتنشرانه أمام الرأي العام، وهذه القضية تطرح اسئلة بالنسبة للصناديق التي انطلقت من البحرين وحول طبيعة التشريعات التي تحكمها وحول تضارب مصالح محتملة خاصة في غياب شفافية تعاملات هذا الصندوق. التقرير فيما يخص البحرين لم يشر الى التفاصيل ولعلها مهمة جمعية الشفافية التي ستطلق التقرير بعد أيام، ولكننا وحتى ذلك الوقت وبعده سنظل نطالب بكل ما يحد من انتشار الفساد الضارب في كل المفاصل، في القطاعين الخاص والعام وفي اوساط النواب وحتى مؤسسات المجتمع المدني، لم تسلم من الفساد فهو يعشعش بمظاهر شتى في كثير منها وهو ملف هو الآخر لا يجب أن يكون غائباً عن أذهان ذوي العلاقة، ويجب أن يفتح بكل جرأة وشفافية. إن البحرين وإن كانت قد تقدمت عربياً ودولياً في المؤشر المذكور، فإننا نستغرب بأن أي جهة من الجهات الرسمية التي الفناها تحتفي بالتقارير الدولية على أكثر من صعيد، قد تجاهلت تقرير منظمة الشفافية وما أحرزته البحرين من تقدم، ربما للحساسية المفرطة من موضوع الفساد وربما لأسباب أخرى لا يعلمها إلا الله. على أية حال، ما يهمنا أن نؤكد أن ذلك التقدم لا يبهرنا، وما أن ما يبهرنا حقاً هو أن يلمس المواطن أن هناك جهوداً حقيقية ملموسة قد بدأت تؤتي ثمارها على صعيد مكافحة الفساد وتفعيل سيادة القانون، ونحسب أن مجلس التنمية الاقتصادية كونه المعني بالشأن الاقتصادي، والمعني بالرؤية الاقتصادية، والمعني بتعزيز ثقة المستثمرين في بيئة الأعمال والاستثمار في البلاد، والمعني بتحقيق الإصلاح الاقتصادي، نحسب أن عليه مع كل من يجد نفسه معنياً بأن يأخذ زمام المبادرة لجعل محاربة الفساد عنواناً للمرحلة المقبلة، وجيوب الفساد وعنوانه معروفان للصغار قبل الكبار، ولابد من التعامل مع الفساد ووضع حد لتغول مافيات الفساد بكل حزم وحسم وعلانية، وإلا سنظل دوماً كمن يحرث في البحر.. !!
 
صحيفة الايام
10 اكتوبر 2009