من بين أسباب عديدة علينا أن نشكر فيها جمعية المهندسين انها بادرت إلى إحياء ذكرى الفقيد المهندس هشام الشهابي في سنوية غيابه الأولى، وأنها من ضمن التفاتاتها المعبرة، وهي تحتفي بذكرى الراحل أطلقت اسمه على القاعة الرئيسية في مقرها العامر بالجفير، وأنها إلى ذلك تقدمت إلى الجهات المختصة بطلب اطلاق اسمه على الشارع المحاذي لمبنى الجمعية، وحسب رئيسها فان هذه الجهات أبلغتهم أن الاقتراح قيد الدرس، ونأمل، من جانبنا، ألا يطول هذا الدرس كثيراً، وأن يجد الاقتراح طريقه للتطبيق، وهذا أمر سأعود إليه في مناسبة قادمة. استمعت بإعجاب إلى الدكتور عُمر هشام الشهابي نجل الفقيد يتحدث في الحفل المذكور، لأن كلمته حملت بُعداً نحن في حاجة إلى التبصر فيه. فهو إذ تحدث عن والده تحدث عن الجيل الذي ينتسب إليه، وعما طبع أبناء هذا الجيل من عصامية ومثابرة، وعقد عُمر ما يشبه المقارنة بين جيل والده وجيله، في انحياز واضح لجيل الوالد الذي كان مدرسة يجدر بالجيل الحالي التعلم منها. كلمة عمر الشهابي تحفزنا على التأمل العميق. ولنأخذ مثلاً السيرة الحافلة لوالده الذي غيبه الموت بشكل مباغت وهو في قمة عطائه، لنرى “الجبهات” المختلفة التي عمل فيها. انه مناضل من مناضلي الحركة الوطنية البحرينية، ممن تربوا على معاداة الاستعمار والظلم، وتشربوا قيم الكفاح في سبيل العدالة والحرية والمساواة والديمقراطية، ولم يترددوا في دفع ضريبة هذا الخيار بسنوات السجن، الذي كان للراحل منه نصيب، أو المنفى أو المحاربة في الرزق وما إلى ذلك. لكن هشام الشهابي لم يكن سياسياً أو مناضلاً فحسب، فهو واحد من أفضل الكفاءات المهنية في مجال تخصصه، أي الهندسة، وبصماته الهندسية واضحة في أكثر من مشروع عملاق في الوطن، بينها مبنى جامعة الخليج العربي وسواه من مبان. لذلك لم يكن مستغرباً أن تأتي الشهادات المنصفة للرجل لا من رفاقه في الفكر والنضال وإنما أيضاً من زملائه في المهنة وفي مقدمتهم الدكتور عبداللطيف كانو. هشام ومن هم على معدنه برهنوا على أن المناضلين من أجل سعادة شعبهم والمستعدين للتضحية في سبيل ذلك هم بناة للوطن أيضاً، منطلقين في ذلك من الحب والإخلاص لهذا الوطن، ولم ينجم عما تعرضوا له من قمع وإيذاء أي ضغينة أو حقد، أو يجعلوا منه موضوعاً للمفاخرة، لذا فانك أينما وليت وجهك في عوالم البحرين المختلفة، في الهندسة والطب والمحاماة والثقافة والفن وكافة أوجه الإبداع، ستجد العديد من قادة ونشطاء النضال الوطني في البلاد هم كفاءات في مجالات تخصصهم المهنية، وأنهم أثروا المهن التي عملوا فيها وطوروها. ثمة جبهة أخرى لا تقل أهمية عمل عليها هشام الشهابي ورفاقه هي وضع مداميك العمل الأهلي التطوعي ولبنات المجتمع المدني الحديث من خلال المؤسسات المهنية ذات الطابع النقابي، وما دور هشام في جمعية المهندسين التي كان رئيساً لها في وقت من الأوقات، إلا أحد أوجه هذا التفاني في هذا المجال. وهنا أيضاً فأينما وليت شطرك ستجد أن أبناء جيل هشام ممن هم على معدنه قد أعطوا البحرين ليس فقط مساهماتهم السياسية والنضالية، وإنما أرسوا أيضاً قواعد ومؤسسات المجتمع المدني على طراز جمعيات المهندسين والأطباء والمحامين والجمعيات النسائية والمؤسسات الثقافية.
صحيفة الايام
5 اكتوبر 2009