في زحمة ما يعتري مجتمعاتنا النامية من تأزمات سياسية واجتماعية، تظل تشاغلنا إلى ما لا نهاية، لتغيب معها ابسط الممارسات الديمقراطية حيث تتفشى صور شتى لحالات الفقر والبطالة والحرمان وانعدام ابسط صور العدالة الاجتماعية في عالم بات لا يعطي اهتماما واكتراثا لأهمية وجودها، فقد تضاءلت فرص تحقيق نجاحات على المستوى العالمي بالنسبة لأهداف الألفية التي سبق أن توافقت عليها مجموعة الدول المنضوية تحت راية الأمم المتحدة بحلول العام 2015، وسط زحمة ما يجري ويدور عالميا، فقد مر اليوم العالمي للديمقراطية مرورا باهتا على مجتمعاتنا العطشى لنسائم الديمقراطية، دون أن تبدي أية مظاهر أو مطالبات إلا ما ندر. بالنسبة لنا في البحرين يظل طبيعيا أن تستمر مطالب تعزيز الممارسة الديمقراطية على المستوى الشعبي، خاصة وأن بلادنا تعيش لأكثر من ثماني سنوات فترة تحولات على طريق الديمقراطية، حيث تصنف غالبية التقارير الدولية الرصينة البحرين ضمن الدول السائرة على طريق الديمقراطية، وهذا وضع يمكن تطويره واستثماره على أكثر من صعيد ومستوى، بل أن شروط مسايرة الأوضاع السياسية العالمية والاستفادة من مناخاتها المواتية تحتم ضرورة توظيف ما هو قائم والبناء عليه لتضييق الهوة بين الشعار والتطبيق، وقد نجحت البحرين كما أخفقت مرارا، وهذا أمر طبيعي، لكن ما هو غير طبيعي ومقبول أن تستمر حالة المراوحة طويلا، فما زالت بعض التشريعات المعيقة للحريات كقوانين الصحافة والنشر والتجمعات والجمعيات السياسية وغياب قانون للأحزاب وحضر العمل النقابي في المؤسسات الحكومية، تظل إعاقات حقيقية لا يمكن أن تستمر معها عملية الإصلاح والتحديث السياسي التي بشر بها ميثاق عملنا الوطني من دون خلق حالة من التوافق المجتمعي حولها، وهذا الأمر لن يتأتَ من دون خلق آلية فاعلة للحوار الشامل حول كل ما يمكن أن يعيق عجلة الإصلاح التي هي جوهر عملية التنمية، وهي آلية تكمن فيها مصالح مختلف القوى المجتمعية وكذلك السلطة، ليتم من خلالها تذليل ما يمكن أن يعترضنا من إعاقات، عبر نضج ورشد سياسيين نزعم أن بإمكاننا بلوغهما، طالما توافرت الإرادة الحقيقية للتغيير، والتي أثبتت تجربة الأعوام الثمانية الماضية أنها خلقت أوضاعا إيجابية قابلة للتطوير والاستثمار. وفي هذا الإطار، ليس عيبا أن تتم الاستفادة مما تقدمه مختلف التقارير الدولية من نقد لأوجه القصور بالنسبة لأوضاعنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فشروط العولمة لن توفر للجميع متسعا من الوقت والجهود لتأجيل استحقاقاتها، وها هي الاتفاقيات العالمية التي دخلنا فيها طرفا مثل اتفاقيات التجارة الحرة وتبادل الاستثمارات والاتفاقيات الدولية حول العمل النقابي وحرية انتقال العمالة وإلغاء كافة مظاهر التمييز على أساس الجنس واللغة واللون والمعتقد، وقوانين حرية النشر والتعبير وغيرها الكثير، تفرض علينا وعلى الآخرين شروطا لا يمكن تأجيلها على الدوام، وإلا كنا في موضع النقد والمساءلة عالميا، فما جدوى التأجيل ونحن نشهد تلك التحولات الجارفة من حولنا. ما تحتاجه البحرين في اليوم العالمي للديمقراطية للعبور بسلام نحو ضفاف تكون فيها أكثر أمنا واستقرارا وازدهارا هو مزيد من الحوار بين مختلف مكوناتها، وأن تحتكم مختلف القوى التي آمنت بالعمل السلمي منذ التصويت على ميثاق العمل الوطني للحوار الوطني الصبور المتدرج حول كل قضايانا، وهي قضايا ليست بعصية على الحل وبالإمكان تحقيق نجاحات فيها، شريطة أن تلتقي النوايا بالأفعال لدى الجميع. تلك حقيقة أكدتها العديد من التقارير ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر تقرير مجلة “الايكونوميست” الأخير ومؤشر “بيرتلسمان” للتحول الديمقراطي الذي أكد على قدرة البحرين على تحقيق إنجازات مهمة في مسألة التحول الديمقراطي من خلال محاور ثلاثة رئيسة أولها إعادة النظر في بعض التشريعات المعيقة للحريات والسير باتجاه الحوار الشامل الذي يكفل تحقيق نجاحات في القضايا المعلقة منذ زمن، حيث إن إهمالها يعني إضاعة الكثير من الحقوق. في اليوم العالمي للديمقراطية نحتاج أن نبرهن مجددا لشعبنا وللعالم من حولنا على قدرتنا كشعب ودولة على اجتراح الحلول الناجعة لتطوير مسارنا الديمقراطي، بحيث تغدو قوى المجتمع الحقيقية شريكا أساسيا في صناعة قرارنا الوطني ضمن خارطة طريق واضحة وجلية المعالم.
صحيفة الايام
4 اكتوبر 2009