المنشور

سـلمان زيمـان


لم يتخذ الأغنية وسيلة للكسب أو للاستعراض “للشو” كما يفعل بعض الفنانين والفنانات الذين دخلوا عالم الفن عنوة للكسب والارتزاق على حساب الذوق الفني الرفيع من كلمة والحان وموسيقى.. كان لونه الفني أكثر ارتباطا بالواقع الاجتماعي وبالتالي كان بارزا في ذاكرة الوطن والفقراء وسائر المثقفين الوطنيين .. كان يصرخ في الأمسيات الصيفية الحارة والشتاءات الممطرة تضامنا مع الشعوب المضطهدة التواقة للحرية والديمقراطية دون انحناء او استعباد.. كان حضوره الفني الوطني كبيرا لا تهمه إغراءات الحياة.. تنوعت القصائد الوطنية والأشعار وتناغمت مع مشاعره الإنسانية الفياضة..

منذ ثلاثة عقود كانت بداياته متواضعة وعندما تشكلت فرقة أجراس بعناصرها الموسيقية الموهوبة التي قدمت لوحات فنية جميلة معبرة عن الربيع والحياة والمستقبل لمع حضوره مغنيا وعازفا ألوان الحروب الطاحنة في كل مكان والبؤس والشقاء بأسلوب فني واقعي أبعاده الأمل والغد الأفضل.. نعم كان عاشقا لأجراس وهي تعلن بكوادرها الموسيقية عن ميلاد جديد للأغنية الوطنية في زمن كانت صفحات الوطن ودفاتره تحكي حكايات نضالات اجبرت المستعمر على الرحيل.. حكايات ارتبطت بالارض والتحرر والبحر والنخيل والسمر على انغام اليامال والهولو واناشيد قطف الثمار في زمن لم يعرف الوطن فيه الطائفية والكراهية بين مكونات هذا الشعب ولم يعرف تاريخه الوطني قوي الارهاب والتشدد والغلو وكل الطارئين عبيد الماضي والكهوف والعصور الحجرية وفتاوى التكفير والتأثيم والتخوين بل عرف أناس عملوا في صمود شامخ على تحقيق مطامحه وخلاصه من القمع ومخلفات المستعمر.

قبل ثلاثين سنة تفجرت موهبته إبداعا وحينما نريد ان نتحدث عن هذه الموهبة لابد ان نتحدث عن تلك البدايات التي تشكلت عندما اطلق العنان لصوته وهو يغني بانفعال يسوده الواجب والوفاء لدم الشهيد سعيد العويناتي:

دمع الدفاتر حبر او مرن اطيوفك
صبر المنابر شعر من تشتهي اشوفك
يالعابر الظلمة الجبين هلال بالسيف چفك فتح مستقبل العمال

بعدها انطلق محلقا في عالم الأغنية اليمنية ذات الجمل الموسيقية الغنية بالجمال والمشاعر الصادقة والحب والاحساس الإنساني الرفيع ومن بين تلك الاغنيات التي اطربت الجمهور البحريني والخليجي في عقد السبعينيات احلى الليالي، اقبل العيد، انت مرادي. ولم يقف عند هذا اللون بل راح يغوص في اعماق الاغنية الوطنية وفي ذلك الوقت الذي اصبح فيه هذا النوع من الغناء اكثر تعبيرا عن الهموم والمعاناة راح ينشد:

يابو الفعايل يا ولد
اطرح ثمر لون الغضب
راواني العجب راوني العجب
علم نجايل هالنخل اشلون تروى من البحر.

ولا يقف اهتمامه عند شجون الوطن بل امتد الى خارجه ليعبر حدود اوطان كثيرة تريد الخلاص من الاستبداد من بينها العراق وللكادحين هناك كان وهو يقود اجراس يردد لجعفر حسن ياشبيبه ويابوعلي وعمي يابوشاكوش. وعندما نعود الى هذه الفرقة الفنية الرائعة بعد ثلاثين عاما يتبين ان غيابها ترك فراغا كبيرا.. نعم ترك فراغا وما احوجنا اليها ونحن نرمم “بيتنا” الديمقراطي المتصدع كي تعبر عن الصوت الديمقراطي في زمن الانفتاح. 

 هكذا كانت رحلته الفنية دون ان يتخلى لحظة واحدة عن لونه الفني المرتبط بالواقع الاجتماعي في الزمن الصعب.. هكذا كان ولا يزال بوسلام البسيط المبدع المتفائل العاشق للحياة وللمقطوعات الوطنية ولكل الناس في القاع الاجتماعي.