لقد تابعنا باهتمام بالغ قراءة الثماني الحلقات المنشورة في جريدة الأيام مؤخراً بقلم الكاتب الدكتور حسن مدن، والمعنونة هذه الحلقات بـ “تيارنا الديمقراطي هموم ومهام”.. وما تمخض عن جوهر هذه الموضوعات المهمة من عملية تقييم وتقويم إزاء وهن وضعف التيار الديمقراطي نتيجة الضربات التي تلقاها على مدار العقود السابقة، بقدر ما حملت هذه الحلقات الصحفية في ماهيتها من عملية نقد وتمحيص من اجل سد النواقص والثغرات التي يعانيها هذا التيار من مرتبة الدونية والاقصاء والتهميش.. ومن ثم تقديم الحلول الناجعة وطرح الآليات المطلوبة ووضع الدراسات العلمية المناسبة بجانب احياء اللقاءات والحوارات الدائمة، ودراسة الظروف الموضوعية والذاتية بشكل مستمر.. من اجل لملمة صفوف هذا التيار والنهوض بهذا التيار الوطني الديمقراطي وترسيخ مكانته وهويته ومبادئه والوقوف على مدى تجاربه وحضوره في أوساط المجتمع البحريني ومدى استمرارية هذا التيار بنشاطاته وفعالياته خلال العمل العلني المجتمعي والديمقراطي.
ويسترسل الدكتور حسن مدن الى مبدأ التحالفات ومفاهيم القواسم الوطنية المشتركة، مقرونة هذه التحالفات بأساليب تقييمية في تجاوز النظرة الهلامية ازاء الانتماء الفكري والايديولوجي الهجين والذي وقع فيه العديد من التيارات اليسارية والديمقراطية في ضوء انهيار المعسكر الاشتراكي.. وذلك نحو الاستقلالية الفكرية والأيديولوجية برؤى واضحة المعالم والابعاد.. بحسب ما جاء على لسان الدكتور حسن مدن من خلال أعمدته الصحفية السالفة الذكر التي نجل ما ورد في جوهرها من عملية رصد ومتابعة ونفخر ازاء ما تميزت به هذه المقالات من الدراسة والتحليل والنقد البناء.. مثلما نحاول بهذا الشأن ان ندلو بدلونا بالتعليق والتعقيب بشكل موجز لما ورد في هذه المقالات للدكتور حسن مدن.
بادئ ذي بدء نفخر بالقول ان ما دعا إليه الدكتور حسن مدن خلال أعمدته الصحفية مناشداً ومطالباً بـ “لملمة صفوف التيار الوطني الديمقراطي في الوضع الجديد للمشروع الاصلاحي وخاصة ما بين التحالف الثلاثي (المنبر التقدمي والعمل الوطني والتجمع القومي) ضمن التنسيق الجاد المستمر لا الموسمي” هو دعوة وطنية خالصة وعقلانية صادقة جاءت حقائقها وتداعياتها انعكاسا لعملية الاتصالات واللقاءات والتنسيق ما بين قيادات الجمعيتين (المنبر التقدمي والعمل الوطني) منذ اكثر من ستة أعوام مضت، من اجل تشكيل تكتل سياسي متماسك فكريا وأيديولوجيا ما بين الفيصل المبدئي ذاته الذي يجمعه الارث الوطني والنضالي المشترك، أو بالاخرى تشكيل معارضة سياسية قوية واعية وناضجة.. معارضة هي ليست “وليدة” اليوم وانما معارضة أكدت حضورها بالأمس.. بقدر نضالاتها اليوم وفي عهد الاصلاحات العامة والمتمثلة في (المنبر الديمقراطي التقدمي) الذراع السياسية للمنبع المبدئي (جبهة التحرير الوطني البحرانية).. نضالات هذه المعارضة ضد الشرذمة والانقسام والافكار الترجيحية والتبريرية والاصطفافات الطائفية والمذهبية بقدر ما آمنت هذه المعارضة بأسبقية الانتماء الايديولوجي في سلم أولويات العمل الوطني ضمن المفهوم (الاستراتيجي) وضمن المواقف السياسية والواقعية السياسية طبقاً لـ (المفهوم التكتيكي) من دون ان تنساق هذه المعارضة وراء التيارات السياسية الانتهازية والتحريفية والوصولية وفي مقدمتها الاصولية الدينية التي لشديد الاسف استطاعت هذه التيارات الاسلامية اقناع العديد من التيارات الوطنية بالانقياد وراء شعاراتها وخضوع هذه التيارات الديمقراطية لمرتبة (التابع لمتبوع) بل اقامة (تحالفات تكتيكية) مع هذه التيارات الاسلامية تطورت فيما بعد الى درجة (التحالفات الاستراتيجية) ويكفي استدلالاً بهذا الصدد هو موقف (جمعية العمل الوطني “وعد”) المتشدد باستمرائها الانضمام الى التحالف الرباعي بقيادة (جمعية الوفاق الاسلامية) وما تمخض عن تبني (جمعية العمل الوطني) المفاهيم التوفيقية والترجيحية على حساب ثوابت الانتماءات الفكرية والمبدئية وبالتالي انجرارها وراء أجندة الخطاب الديني لجمعية الوفاق التي بدورها أعطت الكفة الراجحة للمفهوم الاستراتيجي في الرجوع الى المرجعية الدينية في تعاملها وانشطتها وفعالياتها كافة وازاء عمليتي المقاطعة والمشاركة في الانتخابات البرلمانية والرفض والقبول لدستور 2002م. الامر الذي دفع البعض من أعضاء اللجنة المركزية بجمعية العمل الوطني “وعد” والحريصين على وحدة صف التيار الوطني الديمقراطي إلى مطالبة الامين العام للجمعية بـ “فك التحالف مع جمعيات تيار الاسلام السياسي”.
ولعل القول يبقى صحيحاً ان (جمعية العمل والتجمع القومي) وغيرهما من الجمعيات السياسية الاخرى سواء التي استمرأت اندماجها في التحالف الرباعي ام التي ساندت حقائق ومفاهيم هذا التحالف فإن هذه الجمعيات جميعها قد وقعت في الخطأ الجسيم الذي وقع فيه اليسار الجديد على طول الساحة العربية في ضوء انهيار الاتحاد السوفيتي في نهاية عقد الثمانينيات.. والمتمثل هذا الخطأ في اضاعة هذه الجمعيات وهذه الاحزاب اليسارية الحلقة الاساسية ما بين ما هو (ايديولوجي وما هو سياسي) وخلطها الاوراق السياسية بالمواقف المبدئية، مما دفع بهذه التنظيمات الى انسلاخها المبدئي وتخليها عن الانتماء الحزبي وبالتالي كشفت عن وعي مشوش غلفته الرؤى الضبابية، عكس بالتالي خليطا من افكار هلامية وانتقائية، جاءت نتائجها في عجز هذه التيارات وهذه الجمعيات عن الحفاظ على استقلاليتها (مبدئيا وفكريل) وسعت بالمقابل الى اقامة التحالفات الاستراتيجية مع تنظيمات وجمعيات تيار الاسلام السياسي.. على عكس توجه (المنبر الديمقراطي التقدمي) الذي حافظ على تنظيمه وفكره ومبادئه وهويته في الوقت الذي نشط فيه وتألق بالابعاد السياسية من الفعاليات الثقافية والسياسية والادبية والانشطة الشعبية والجماهيرية وعبر القواسم الوطنية المشتركة مع الجمعيات السياسية والمهنية والنسائية. ولكن لابد لنا من قول كلمة صريحة حتى ان اتسمت بشيء من العتاب، انطلاقاً من حرصنا على (المنبر التقدمي) بثوابته المبدئية والفكرية التي حافظ عليها أولئك الرفاق المناضلون وصانوها في عقولهم وقلوبهم منذ اول يوم من تأسيس (المنبر التقدمي) لانطلاقة المشروع الاصلاحي.. بحيث ان كلمتنا هذه قد تتمثل في ابداء ملاحظاتنا ومتابعتنا الاخيرة حول تشكيل الاطار او بالاحرى التحالف السداسي (المنبر التقدمي، العمل الوطني، التجمع القومي، الوفاق، أمل، الإخاء).. هذا التحالف يمثل في واقع الأمر لقاء والتقاء النقيضين في الفكر والمبدأ، وجب على التيار الوطني الديمقراطي التقدمي ان يضع ألف حساب لآلياته وتكتيكاته.
صحيح ان هذا التحالف السداسي قد تجمعه الأهداف الوطنية والشعبية والسياسية وتلم شمله القواسم الوطنية المشتركة وفي مقدمتها تلك الملفات الساخنة البالغة الحيوية كإشكالية القضايا الدستورية، وقضايا التجنيس والاسكان والبطالة والصحة.. ولكن يبقى الصحيح أيضاً ان هذه التيارات الاسلامية والجمعيات الدينية، قد وضعت أجندة خطابها الديني والقائم على المفارقة الميتافيزيقية الغيبية فوق كل اعتبار وفوق كل القوانين الوضعية والمدنية.
ولعل ما يرسخ طوباوية خطاب قوى تيار الاسلام السياسي، هو عجزها عن أن تنطق بأدنى كلمة صريحة، او أن تدلي برأي، أو أن تتخذ أدنى قرار سياسي ووطني، سوى برجوعها الى المرجعية الدينية.. ناهيك عن توجهاتها الطائفية في الحملات الانتخابية ونزول مترشحيها إلى الإنتخابات البرلمانية في مختلف الدوائر الانتخابية هي قضية محسومة سلفاً تدخل فيها الدكتاتورية والاصطفافات الطائفية والمرجعية الدينية.
ولعل المواطنين يتذكرون جيداً كيف ان (جمعية الوفاق) قد اقصت وهمشت حليفها الاساسي (جمعية العمل الوطني) في التحالف الرباعي خلال انتخابات 2006م، وكيف استبدت (الوفاق) بالدوائر الانتخابية، واستأثرت بالمقاعد النيابية.. متخلية عن حليفها بمزيد من الهيمنة والانتهازية.
هذه هي ملاحظاتنا للرفاق المناضلين في (المنبر التقدمي) وهي مجرد للتذكير بأن يتم التعامل مع هذه الجماعات من تيار الاسلام السياسي بعدم وضع كل الاوراق في سلتهم.
ملاحظاتنا هي مجرد للتفادي وللحيلولة دون الوقوع في الخطأ الفادح الذي وقعت فيه الجمعيات السياسية الاخرى وفي مقدمتها (جمعية العمل الوطني “وعد”).. مثلما يستوجب علينا فرز الاوراق السياسية عن المواقف المبدئية.
صحيفة اخبار الخليج
2 اكتوبر 2009