*الدكتور عبدالكريم سوروش واسمه الحقيقي هو (حسن حاج فرج الدباغ*، من مواليد طهران .1945 حاصل على الدكتوراه في الصيدلة من جامعة طهران 1968، سافر إلى بريطانيا عام 1972 لإكمال دراسته في فرع الكيمياء التحليلية، لكنه انتقل إلى جامعة لندن فدرس فلسفة العلم وتوفر على معطيات أحدث تياراتها وخاصة النقدية المُحدثة فضلا عن تراث المدرسة الوضعية. عاد إلى ايران بعد الثورة عام 1979 ليصبح عضواً في لجنة (الثورة الثقافية) ثم انتقل إلى جمعية الحكمة والفلسفة في طهران كذلك كباحث متفرغ وهو عضو في المجمع العلمي هناك أيضاً. وقد ظهر سوروش منذ أوائل الثمانينيات كواحد من الكتاب الغزيري الإنتاج في إيران، وعالجت نتاجاته الأولى النظريات الماركسية وموضوعات فلسفة العلم ومن أعماله البارزة تلك الفترة كتاب (ما هو العلم، ما هي الفلسفة؟)، إضافة إلى دراسة نقدية لكتاب الراحل محمد باقر الصدر (الأسس المنطقية للاستقراء) وقد نـقلت إلى العربية).
تعبر هذه الفقرة عن النشاط الفكري الدراسي العام للباحث عبدالكريم سوروش، ويبدو واضحاً جمعه بين الفكر الوضعي الغربي والمذهبية السياسية الشيعية، وهو مركبٌ صعب. فكيف نرى تطبيقاته ومسارها؟
إن المنهجية الوضعية لا تعترف بقوانين الصراع الاجتماعي وترفض السببيات الاجتماعية الغائرة عموماً، متوجهة إلى الحالات الملموسة والوضعيات المحددة لقياسها واستخراج عللها. وهي في تضاد مع الفلسفات الدينية، والفلسفة الماركسية كذلك. هي تعبير عن لحظات ألمانية في البداية، حين زرع الفيلسوف الألماني كانط مفهوم الشيء في ذاته، منشئا مستويين من المعرفة، مستوى لا يُعرف ومستوى يُعرف، وسنلاحظ الدلالات الكبيرة والخطيرة لهذا المفهوم لاحقاً.
وعموما فهذه الأفكار مؤيدة لمسار الليبرالية ونتاجاتها الفلسفية وقراءاتها، وخاصة الليبرالية الناتجة عن عهد انتصارها في أوروبا الغربية في القرنين الـ 18 والـ .19
وهو نظرا إلى عيشه في غرب أوروبا يتحمس لهذه الليبرالية ويعرضها كما جاء في مقالته عن الليبرالية:
(تطالب الليبرالية بالتحرر، بل هي أساساً مذهب التحرر (اشتقت كلمة ليبرالية من ليبر liber وهي كلمة لاتينية تعني الحر). وأقصد هنا استخدام مفردة التحرر بدل كلمة الحرية لأشير إلى أن الحرية قد تكون سلبية، وهي تعني رفع العقبات، والسمة المميزة لليبرالية الكلاسيكية في مطلع ولادتها أنها حاولت إزالة الموانع والعقبات عن طريق: رأس المال، حقوق الإنسان السياسية وتقدم المعرفة.
جاهدت الليبرالية الاقتصادية لتحرير رأس المال وأصحابه والمجتمع من “شرور” الأرستقراطية الاقطاعية. كما تطلعت الليبرالية السياسية إلى “قوننة” سلوك السياسيين، وتحميلهم المسؤوليات تجاه المواطنين، وإشراك الشعب في تقرير مصيره، أي طالبت بالانعتاق من استبداد الاقطاع والسلطة، وركزت لبلوغ هذه الأهداف في الحقوق الطبيعية للإنسان. ولهذا يُصنـّف الفيلسوف الانجليزي جون لوك (1632- 1704) من مفكري الليبرالية، لأنه شدّد على حقوق الإنسان، والحقيقة أنه أعلن ولادة الإنسان صاحب الحقوق، قبالة الإنسان المكلف)، عن الموقع الليبرالي السعودي.
إن هذا الفهم الموضوعي لتطور أوروبا يأخذه الباحث عبدالكريم سوروش كنشاط للطبقة الوسطى فقط، ويعرضه في فضائه الغربي لكن لا يطبقه على المجتمع الإيراني، ولكن لنلاحظ هنا أن مقولاته تتجاوز الوضعية وتعرضُ التاريخَ بشكلِ صراع طبقي.
وحين ينقل سوروش الأفكار الليبرالية من مناخها الغربي إلى المناخ الإيراني والمناخ الإسلامي عموماً فإنه يركز في الفروق بين الوضعيات العامة للأفكار، فالفكر الليبرالي البورجوازي الغربي يطرح الإنسان صاحب الحقوق، أما الفكر الديني الشرقي فيطرح الإنسان المكلف، كما لاحظنا في الفقرة السابقة. فالمنهج الاجتماعي لتحليل الأفكار يتوارى.
يقول عنه أحد الباحثين الإيرانيين في الفترة التي تعاون فيها مع الدينيين الشموليين لضرب التيارات الديمقراطية الإيرانية:
(لقد كان عبدالكريم سوروش في عهد شاه إيران من مساندي الأصوليين. تولى سوروش في السنين الأولى بعد الثورة الإسلامية مناصب مهمة وكان مسؤولا عن تطهير الجامعات من الأساتذة غير المتديّنين. وبعد فترة أعرض عن الأصوليين المتشدّدين. إذ طوّر أفكارًا جديدة وأصبح أهم مفكّر يتبنـّى الاصلاح الديني. لقد أيّد سوروش على المستوى السياسي الرئيس الإيراني السابق خاتمي وجناح المصلحين المتديّنين، الذين كان أكثر قادتهم من طلاّبه ومؤيّديه)، (فرج سركوهي).
إن دخول الفكر الوضعي لدى سوروش في مساندة المحافظين الدينيين في الفترة الأولى لحكمهم الشمولي هو تعبير عن غياب القراءة الدلالية العميقة للتحولات السياسية الجارية، وتوجه سوروش لمساندة ما هو طافح وغالب اجتماعيا، بطبيعة مثل الوعي الذي لا يقرأ الصراعات الاجتماعية، وينساب انسياب البروجوازية الصغيرة لما هو منتصر ومفيد لمصالحه الشخصية.
لكن الأفكار التي تحملها هذه القوة الاجتماعية المغايرة لعالم الدينيين المحافظين، تـُضرب من قبل الدينيين وتنامي سيطرتهم الدكتاتورية على المجتمع، وخاصة لباحث يحمل الفكر الليبرالي وهاجسه البحث عن الحرية، لكن الأدوات التحليلية الوضعية تجعله يفصل المستوى الفكري عن المستوى الاجتماعي وعن المستوى السياسي في المجتمع، بأدوات منهجية تفصيلية سنقرأها لاحقاً ونرى خطورتها على بلده وعليه.
صحيفة اخبار الخليج
2 اكتوبر 2009