‘كان سياسيا بارزا. وفي السنوات الأخيرة كنت أستطيع مناداة تيدي بزميلي وصديقي. ورغم أننا كنا نعرف أن المقدَّر سيحدث، ظللنا نأمل الأفضل. ومنذ أن وضعوا له التشخيص المرعب في العام الماضي شهدنا كيف صارع المرض بشجاعة. لقد فتح عمله في الكونجرس ملايين الفرص الجديدة أمام الأميركيين، بمن فيهم أنا. واليوم نحن نقول له شكراً، ووداعا’. ‘تيدي’ هو السناتور إدوارد كندي، والمتحدث هو الرئيس باراك أوباما وهو ينعى إلى أميركا والعالم وفاة أسد مجلس الشيوخ الأميركي وخاتم من تبقى من سياسيي آل كنيدي – إدوارد كنيدي، أو ‘تيدي’ كما اعتاد أن يسميه الأميركيون ببساطة. في يوم وفاته قالت عنه النيويورك تايمز: ‘إنه كان ذائع الصيت وصديقا جيدا، خصما معتبرا، إنسانا عميق الاعتقاد وذا نواقص كثيرة. كان يستطيع أن يشرب وأن يصدح بأغنية. لقد كان.. كنيدي’. وقد وُفيَّ تيدي أجلُه مساء 25 أغسطس/ آب الماضي في منزله في مدينة هايانيس بورت في ولاية ماساتشوسيتس عن 77 عاما بعد أن شُخص مريضا بسرطان المخ في مايو/ أيار العام الماضي.
لم يعش ما تبقى من أيام كي يدشن في 14 سبتمبر/ أيلول المقبل كتاب مذكراته ‘البوصلة الحقيقية’ (True Compass) التي عكف على كتابتها في السنوات الأخيرة، وستصدر دار نشر Twelve في نيويورك 1.5 مليون نسخة منه. وقد نشرت الدار على موقعها على الإنترنت نبذة عن الكتاب[1]. ‘لقد عمل – إدوارد كنيدي- برجولة كي ينهي هذا الكتاب ليصدر بأمثل ما يمكن. وكما هو دائما فقد صدَق وعده’ – هذا ما صرحت به دار النشر. يقول الناشر ورئيس التحرير جوناتان كارب إن إدوارد كنيدي اعتاد يوميا على ملء دفتر يومياته الذي فتحه أثناء خوض أخيه جون حملة الانتخابات الرئاسية العام .1960 وكان تيدي قد بدأ قبل خمس سنوات مع جامعة ولاية فرجينيا مشروعا تاريخيا شفاهيا تطرق فيه إلى كل جوانب حياته – العائلية، المهنية في مجلس الشيوخ، ووجهات نظره حول الأحداث التاريخية. وحسب كارب فإن هذه المادة قد دخلت الكتاب فيما بعد. تعاون في إعداد مذكراته مع الصحافي رون باورز الحائز على جائزة بوليتزر والذي يعود لقلمه كتاب ‘رايات آبائنا’ الشهير. كما تعاون مع الأديب روبرت بارنيت الذي أكد بأن كل كلمة في الكتاب تعود إلى إدوارد نفسه.
وقبل أن يصدر كتاب مذكراته فإن الأميركيين والعالم يعرفون قصة هذا الرجل ويطرقونها بفهم مختلف. لقد قفز إدوارد كنيدي العام 1963 إلى مجلس الشيوخ وعمره 30 عاما فقط ليحتل موقع أخيه. لكن منافسه من نفس حزبه مشيرا إلى أن هذا توريث عائلي خاطبه: ‘لو أنك لست من كنيدي، لكان ترشيحك مزحة’. لكنه ظل سناتورا طوال 47 عاما عاصر فيها عشرة رؤساء أميركيين، منهم شقيقه. وكان على مدى عشرات السنين رمزا للديمقراطيين الأميركيين، لكنه كان أقل الأخوة كنيدي الثلاثة شهرة. وربما لهذا السبب كان الوحيد بينهم الذي عاش حياته ومات ميتة طبيعية. استطاع هذا السناتور أن يخدع لعنة عائلة كنيدي. لقد اجتاز حادث سيارة سقطت في الماء وأودت بحياة سكرتيرته، واجتاز كارثة طائرة وافترسه المرض العضال. الأمر الوحيد أنه لم يتعرض إلى اعتداء على حياته. عاش بعد أمه 12 عاما فقط بعد أن ماتت عن 104 سنوات. لكن خصومه أخذوا عليه أنه في حادث السيارة ترك الفتاة تواجه مصيرها غرقا وبقي هو سناتورا، بينما كان يجب أن تنتهي سيرته السياسية عند هذا الحدث.
كما يتهمه خصومه أنه ومن نعتوه بصنيعته السناتور جون تاني كانا عميلين للمخابرات السوفييتية ‘كي جي بي’. وكانت الإزفيستيا السوفييتية قد كتبت حول هذا الأمر في يونيو/حزيران .1992 كما أن هناك صفحة على الإنترنت مشغولة بهذا الشأن[2]. وقبل فترة قريبة كشفوا في الأرشيف البريطاني عن وثائق تزعم بأن إدوارد كنيدي اقترح على الأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي أندروبوف أن يقوم بزيارة لأميركا بهدف إضعاف نفوذ الرئيس ريغان. وفي حين يصعب تحديد صحة ذلك من عدمه، إلا أن الصحيح هو أنهم في الاتحاد السوفييتي كانوا ينظرون إلى إدوارد كنيدي دائما كصديق وفيّ. ولايزال علماء السياسة في روسيا اليوم يقدرونه وعائلته عاليا. الصحافي وأستاذ معهد موسكو للعلاقات الدولية فالنتين زورين قال عن كنيدي: ‘.. تعاملت مع جون وروبرت وإدوارد كنيدي. إنهم فتانون بفيض إنسانيتهم. كان إدوارد بسيطا بغض النظر عن مكانته في واشنطن، ديمقراطيا حقا، متنورا للغاية’. أما فكتور كريمنيوك، نائب مدير معهد الولايات المتحدة وكندا التابع لأكاديمية العلوم الروسية فقال: ‘ها هو آخر ممثل لعائلة من الأرستقراطية الأميركية التي كانت دائما من بين من يحكم أميركا، ها هو يساعد ويبارك أميركيا أسودا للصعود إلى سدة الرئاسة. إن هذا لحدث مهم، حيث الأرستقراطية في البلدان الأخرى عادة إما لا تفارق السلطة أبدا، أو أن تجري إزاحتها دمويا. لقد جرى ذلك في أميركا بدون آلام’.
أجل، مع مقدم تسعينات القرن الماضي ترسخ وضع إدوارد كنيدي كأب روحي للحزب الديمقراطي، وبفضله حقق الحزب في أيامنا هذه ثورته المخملية. والكثيرون في واشنطن يتعمدون طمس حقيقة أن سيرة ترقي باراك أوباما المتألقة والطموحة مرتبطة ارتباطا مباشرا بإدوارد كنيدي وبعائلة كنيدي. أما زورين فيرى بأن عضوية أوباما في مجلس الشيوخ كان قد رتب لها من قبل إدوارد كنيدي وجماعته. وفي مباركته لرئاسة أوباما كرر إدوارد كلمات أخيه جون كنيدي عندما انتُخب رئيسا: ‘إن العالم يتغير، ولم تعد الطرق القديمة مناسبة. لقد حان وقت جيل جديد من القادة’.
قتل جون كنيدي العام 1963 وسار إدوارد في جنازته إلى جانب جاكلين كنيدي. وعندما قتل أخوه الثاني روبرت العام 1969 قال إدوارد راثيا أخاه بصوت متقطع كلمات يمكن إعادتها اليوم في رثائه هو: ‘ليس من داع لرسم صورة مثالية عن أخي أو أن يُجعل منه شخصية أكبر مما في الواقع. لقد كان ببساطة إنسانا طيبا، جديرا، رأى الظلم وحاول التصحيح، رأى المعاناة وحاول المساعدة، رأى الحرب وحاول إيقافها’.
صحيفة الوقت
31 اغسطس 2009