توجه يوم الخميس بتاريخ 20 أغسطس، مئات الآلاف من الأفغان رجالا ونساء، نحو صناديق الاقتراع، والموزعة على أكثر من 6500 موقع للتصويت، لاختيار رئيس جمهوريتهم الجديد وللمرة الثانية. ولكي تفزع حركة طالبان الناخبين وتدفعهم للنكوص وعدم الذهاب يوم الانتخاب للتصويت، فإنها كثفت من اعمالها قبل أسابيع قليلة من ذلك التاريخ الانتخابي. وكما أشار البريغادير الجنرال – ترومبلي الناطق باسم قوات الناتو في أفغانستان عن عملية تصاعد العمليات الهجومية والتي بلغت ما بين 32-48 عملية هجومية مختلفة في نسبتها وحجمها وخسائرها، غير انه من الجانب الآخر فان الاستحكامات الأمنية على مواقع ومراكز انتخابية تجاوزت الستة آلاف فان ذلك بالمنطق الإحصائي، وفي بلد رقعته الجغرافية متسعة، فان تلك الهجمات لن تستطيع منع عملية التصويت بالكامل كما هي التغطيات الإعلامية المضخمة، ولن يتمكن رجال طالبان من مهاجمة أكثر من 1% من تلك المواقع. تلك الحقيقة الإحصائية والعملية ستكون حاضرة يوم الانتخابات طالما هناك وجهة نظر شجاعة بين المواطنين الأفغان والأفغانيات الذين يؤمنون بمستقبل أفغانستان واستمرار العملية السياسية الديمقراطية بكل عوائقها واشكالياتها إذ أشار بعض السكان عن كيفية تزامن التصويت وشبح الموت معا بين سكان أفغانستان، فان ردهم ظل يؤكد على إصرارهم بتفضيل أو تلازم الأمن مع الديمقراطية والعملية الانتخابية بقول احدهم: “الانتخابات أمر مهم لأفغانستان ولكن الأمن أمر أكثر أهمية”. بين حقيقة الأمن والفضاء الحر للتصويت، استمعنا وشاهدنا مدى حماس النساء الأفغانيات للذهاب إلى صناديق الاقتراع لتأكيد حقهن برغم كراهية وعزل حركة طالبان المرأة عن حقها في المشاركة السياسية على قدم المساواة. بعض المراقبين الغربيين يجدون حالة الصعوبة عن مدى كيفية الجمع ما بين ديمقراطية بنموذجها الغربي واشتراطات انتخابية مثالية، وحرية التعبير المنشودة والخيارات الآمنة يوم التصويت، في بلد متوتر تحت سقف الموت والرعب كل لحظة. ومع ذلك يصر الغربيون على أمر هام لا بد من تحقيقه كعملية سياسية متراكمة، وبأن الديمقراطية وجودها أهم بكثير من غيابها حتى في ظل ظروف وأوضاع مثل أوضاع أفغانستان‘ ولا يمكن تنفيذ العملية الانتخابية والتصويت في أفغانستان بمعايير دولية معتادة. ما ستحمله طائرات الهليوكوبتر من صناديق وما ستحمله على ظهورها الحمير أيضا في نقاط نائية تؤكد على دفع الأفغانيات ورغبتهن في أقصى مناطق أفغانستان الخروج يوم الانتخاب لاختيار من يريدونه حتى وان كن يحملن على كفهن شبح الموت وخطر بتر الأصابع ليس يوم الانتخاب وحسب بل فيما بعد الانتخابات فحركة طالبان مستعدة بتصفية كل من يرونه شارك في العملية الانتخابية والانتقام منه “بأثر رجعي”. وبما إن حركة طالبان متمركزة في رقع جغرافية معينة وبين البشتون أساسا فإن البقية من الطوائف والمناطق قادرة على إجراء التصويت دون مخاوف تذكر. لهذا تكمن مخاوف حامد كرازي هذه المرة عن تراجع شعبيته ونسبة التصويت له بين البشتون الذين ينتمي لهم مما جعله يقلب أوراقه السياسية بين الطوائف والأعراق الأخرى مستدعيا شخصية سياسية تاريخية مثل عبدالرشيد دستم للوقوف إلى جانبه ودعمه. دون شك ستكون المنافسة بين 35 مرشحا للرئاسة قد تخسر كرازي النسبة المطلوبة من الدورة الأولى نتيجة توقع المراقبين بتشتتها وبوجود منافس قوي كوزير الخارجية السابق الدكتور عبداالله عبداالله والذي لن يكون إلا معكرا لصفو ومزاج كرازي الانتخابي. إذ يدرك وزير الخارجية السابق انه لن يتخطى كرزاي المدعوم داخليا وخارجيا وحظوظه من الأصوات أعلى بكثير منه. في بلد عاش عقودا من الحروب الأهلية والتقلبات السياسية وتفتت الدولة المركزية وهيمنة البنى القبلية والطائفية وعشش الفقر والأمية والجريمة بين أحضانها. بلد من نموذج أفغانستان لن تنتهي معضلته في صناديق الانتخاب ونقل الناس صوتهم المكبوت سياسيا إلى يوم بإمكانهم قوله خلف الستارة دون خوف أو تردد. في هذه الأجواء تنتشر عملية شراء الذمم وإرساء مناخ البلبلة والفوضى وتمرير شتى أنواع الأحابيل الانتخابية لكي يتم فيها تمرير مستوى معينا من التزوير ورشي الأصوات. ما تتناقله الأنباء من مبالغات حول الباعة الذين ينتشرون في طرقات كابل لبيع بطاقات التصويت بعشرة دولارات وتوزيع الآلاف من الدولارات بهدف شراء أصوات الناس لن يغير الحقيقة. مثل كل عملية انتخابية في دول نامية تفرز العملية الانتخابية درجة معينة من التلاعب ولكنها لن تتمكن من ابتزاز ضمائر الناس جميعها حتى وان كانوا فقراء وجدد على العملية الانتخابية. وإذا ما كانت ثلث المناطق معرضة للهجوم يوم الانتخابات وفق التقديرات الأمنية الأفغانية فان ذلك الثلث لن يفزع الناس جميعهم أيضا وستكون النساء الأفغانيات في طليعة أولئك الشجعان الذين تخطوا المخاوف من اجل الحرية القادمة للشعب والذي يتطلع لمستقبل أفضل وفي مقدمتهم المرأة الأفغانية الشجاعة التي رشحت نفسها كمنافسة وستذهب أيضا كناخبة في يوم تاريخي لأفغانستان.
صحيفة الايام
30 اغسطس 2009