أحد الكتاب فكر في فكرة مبتكرة هي أن يكتب مذكرات عن الأشياء التي لم يفعلها، مستوحياً ذلك من درس الإنشاء الأول الذي يطلبه معلمو اللغة من تلاميذهم الصغار في المدرسة. حيث كان هؤلاء المعلمون يكلفون التلاميذ بواجب منزلي بأن يكتبوا: «ماذا فعلت اليوم؟». الكاتب قلب الفكرة رأساً على عقب، بأن فكر في وضع قائمة بالأشياء التي لم يفعلها اليوم. وهي فكرة يمكن أن نذهب بها بعيداً لنفكر أو نكتب عن الأشياء التي لم نفعلها في الحياة، وكان يجب علينا، أو فلنقل أنه كان من الممكن أن نفعلها. واصل الكاتب التداعي في فكرته بالقول إنه يفكر في الناس الذين يعرفهم ويتساءل: من منهم يعرف كيف يعيش حياة هادئة سعيدة، فإذا كان العيش فناً، فهو فن غريب، فن كل شيء، وخاصة فن البهجة والحبور، وينطوي شكله المتطور على عدد من الخصائص المتلاحمة معاً: الذكاء، الفتنة والسحر، الحظ السعيد، الاستقامة والعفة دون إكراه، والحكمة والذوق والمعرفة والفهم والإدراك بأن الألم والنزاع ما هما إلا جزءان لا ينفصلان من الحياة، أما الثروة فليست ضرورية، لكن الذكاء لجمعها ضروري. وإذا كان العيش فناً، وفناً غريباً أيضاً، فإن الحب، برأيه، عمل شاق، ولكي تبقي شعلة هذا الحب متقدة على المرء أن يبذل جهداً كبيراً، فإذا ترددت وتقاعست فلن يحدث شيء ذو أهمية، وعليك في الوقت نفسه أن تجد المسافة الملائمة التي تفصلك عن الآخرين، فإن اقتربت كثيراً سحقوك وهيمنوا عليك، وإن ابتعدت كثيراً هجروك وتخلوا عنك، السؤال هو: كيف يمكنك أن تحافظ على المسافة الصحيحة معهم؟ عودة إلى السؤال عن تلك الأشياء التي لم نفعلها. الفكرة كلها تكمن فيها، لأن الأشياء التي فعلناها معروفة في مقدماتها وفي سيرورتها وفي نتائجها. المحير والباعث على التأمل وربما الدهشة أيضاً هي تلك الأشياء التي لم نفعلها. وليس كل الناس تدرك ما هي تلك الأشياء، لأنه ليس ضرورياً أن يفلح المرء في تقييم إمكانياته الفعلية، وهي غالباً ما تكون إمكانيات كامنة لم يتيسر لها أن تفصح عن نفسها. لكن الأقرب إلى الصحة أيضاً هو أن الناس يعرفون رغباتهم، تلك الأشياء التي يودون في قرارة أنفسهم لو أنهم بلغوها أو تمكنوا من تحقيقها، ولكن الظروف حالت دون ذلك، أو لعل الأخطاء التي ارتكبها الإنسان في حياته أفضت به إلى خسارة أشياء كان يرغب لو أنه نالها. برواية الأشياء التي لم نحققها يمكن أن نكتب لأنفسنا سيرة موازية لسيرتنا المتحققة، سيرة افتراضية، لأن الحياة كان يمكن لها أن تأخذنا نحو هذه السيرة الافتراضية وتجعل منها حقيقة لا افتراضاً أو وهماً لا مجرد رغبة، لو أن بعض التفاصيل والملابسات، الصغيرة أو الكبيرة، كان يمكن أن تغير مسار الحياة برمته، أو على الأقل في مفاصل رئيسية من هذا المسار. فكروا في أن ترصدوا الرغبات التي لم تحققوها، وحاولوا أن تشرحوا الأسباب، ستدهشكم المقارنة!
صحيفة الايام
29 اغسطس 2009