على صلة بما توقفنا عنده أمس، كنت أطالع تقييماً نقدياً لتجربة منظمة العمل الديمقراطي في المغرب كتبه محمد المريني، ونشر في كتاب بعنوان:” اليسار المغربي: الثورة والإصلاح”، وفيه يطرح الكاتب السؤال التالي: هل الإصلاح السياسي مجرد مرحلة لشيء آخر أم انه يشكل نسقاً متكاملاً ومشروعاً مجتمعيا، وان له وسائله وأدواته وحزبه؟ هذا السؤال وثيق الصلة بما يصفه الكاتب أسئلة الهوية والمرجعية، حين سبب إكراه التبدلات التي طرأت على الصعيدين العالمي والوطني ارتباكا كبيرا في وعي المناضلين، وللحفاظ على الوعي الناظم الذي يشكل هوية ووجود اليسار، فان الكاتب يشدد على أن الموضوع الأساسي لكل مجتمع هو تأمين الشروط الأساسية للحياة، ذلك أن الحريات تكون بدون معنى إذا بقي الوضع المعيشي للناس متردياً. فلا يمكن تصور غرس الديمقراطية وتطويرها في ظل أوضاع تتسم بازدياد التفاوت في المداخيل وتفاقم مشاكل الفقر والتهميش المتزايد للأغلبية الاجتماعية وما ينتج عنها من إقصاء عن الحياة العامة وبتدني درجة الانخراط والمشاركة في الشأن العام؟ في عبارة أخرى فان المشكلة الأساسية التي تعاني منها مجتمعاتنا هي مشكلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتجلية في تامين الغذاء والمسكن والعلاج والتعليم للمواطنين، ومن هنا فان الدعوة إلى الديمقراطية والى تنمية ثقافة المشاركة المستقلة في الشأن العام، لا يمكن أن تنفصل عن الدعوة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، بل يتعين القول إن سبب وغاية الديمقراطية هي تحقيق التنمية الشاملة. إنهما وجهان لعملية تغيير واحدة، سياسية واقتصادية – اجتماعية. ما يمكن استخلاصه من هذه الأقوال يتصل تحديداً بضرورة أن تحافظ الحركة الوطنية الديمقراطية في البحرين على جوهرها الاجتماعي الفكري في كونها معبرة عن مصالح الطبقات الاجتماعية ذات المصلحة الحقيقية في الإصلاح الجذري بشقيه السياسي والاجتماعي، وأن تجمع في نضالها بين السعي لتعميق الإصلاحات السياسية التي تمت وتوسيع نطاقها بإقرار مبدأ الفصل بين السلطات، والدفاع عن الحريات العامة وبناء مؤسسات المجتمع المدني الحديثة، وبين الدفاع الدؤوب عن مصالح الطبقة العاملة والفئات الكادحة، وانجاز التنمية المستدامة والمتوازنة، والتصدي للمشاريع المؤدية إلى المزيد من إفقار الفقراء والدفع بالفئات الوسطى إلى خانة الإفقار بسبب سياسات الخصخصة العشوائية وتخلي الدولة عن التزاماتها الاجتماعية تجاه المواطنين. الاصطفافات والاستقطابات المذهبية قد غيبت الجوهر الاجتماعي للتناقض في المجتمع، لصالح مظهر مزيف وغير حقيقي لهذا التناقض اتخذ الشكل الطائفي الذي غُذي ولا يزال يُغذىَ بدأب من قوى نافدة في الدولة والمجتمع لأن لها مصلحة في ذلك، وفاقم من الأمر، كما أسلفنا في أحاديث سابقة، تنازل التيار الديمقراطي عن دوره المستقل، حيث وجد نفسه ينزلق، بدون وعي منه في الغالب، إلى شعارات وبرامج لا تتسق وطبيعته الفكرية والاجتماعية التي يجب أن يتحلى بها. هناك حاجة ملحة، تبدو واضحة اليوم، للعودة إلى هذه الهوية التي ميزت تنظيماتنا الوطنية الديمقراطية، من خلال الجمع الخلاق بين شقي النضال السياسي والاجتماعي، في سبيل الحريات والحقوق السياسية والدستورية من جهة، وبمقدار لا يقل في سبيل الدفاع عن لقمة عيش الكادحين من جهة أخرى. للحديث تتمة.
صحيفة الايام
26 اغسطس 2009